التقارب الجزائري–الأمريكي يزلزل الإخوان
مرة أخرى، يظهر تيار الإخوان المسلمين في الجزائر في حالة غضب عارم بسبب تصويت بلادنا على قرار لمجلس الأمن تقدّمت به الولايات المتحدة الأمريكية بشأن غزة. وكعادتهم، يهرول هذا التيار نحو الاتهامات الجاهزة، مدّعيًا أنّ الجزائر دعمت «نزع سلاح المقاومة»، متجاهلين – عن قصد أو عن جهل – اتفاق شرم الشيخ الذي وافقت عليه حركة حماس نفسها، والذي يتضمّن قبول الحركة بتسليم سلاحها. كما يتجاهل هؤلاء التطبيع الكامل الذي أقدم عليه إخوان المغرب مع إسرائيل، وعلاقات تركيا – التي يتوجّهون إليها في صلواتهم السياسية – مع تل أبيب.
التنديد عندهم موجّه حصريًا ضد الجزائر، فقط لأنّ الجزائر تبنّت موقفًا يتماشى مع ما وقّعت عليه جميع الأطراف في شرم الشيخ، من تركيا ومصر وقطر والسعودية والإمارات، وصولًا إلى الولايات المتحدة و”إسرائيل” نفسها. لكن الجديد في هذا المشهد، وما يرفض الإخوان الاعتراف به، هو خوفهم الحقيقي من التقارب الجزائري–الأمريكي الذي يسحب من تحت أقدامهم آخر أوراق المناورة أمام واشنطن.
الإخوان في حركة «حمس»، المنتمون إلى تيار الاتجار بالدين والوطن، أزعجهم الموقف الجزائري إزعاجًا كبيرًا، رغم أنّ القرار نفسه رحّبت به السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، ممثّل منظمة التحرير الفلسطينية وشرعية الضفة الغربية التي تضمّ حوالي 6 ملايين فلسطيني. لكن الإخوان يريدون جرّ الجزائر إلى مستنقع فلسفتهم المدمّرة، ودفعها نحو مواجهات لا تخدم سوى مخططاتهم، تحت شعار «الدفاع عن المقاومة»، بينما الهدف الحقيقي هو إنهاك الدولة الجزائرية لضربها سياسيًا لاحقًا.
وبدأت الآلة الدعائية الإخوانية في الجزائر بنشر مزاعم عن «التطبيع»، والدعوة إلى تشكيل «تنظيمات مقاومة للتطبيع»، رغم أنّ الحقيقة الثابتة تاريخيًا هي أنّ الإخوان هم أول المطبعين، وأن علاقتهم بـ”إسرائيل” قديمة جدًا، ويمكن تتبّع جذورها في خطبة لحسن البنا سنة 1940، اليهودي ذو الأصول المغربية كما تؤكد وثائق عديدة. والأدهى أنّ حزب «الإخوان» داخل الكنيست الصهيوني، بقيادة منصور عباس، هو أحد أقوى الداعمين لحكومة نتنياهو المتطرفة، لكنّ الإخوان في الجزائر يتجنّبون دائمًا ذكر هذه الحقائق، لأنها تهدم خطاباتهم الدعائية من أساسها.
حركة الإخوان المسلمين أخطبوط دولي معقّد، يوزّع الأدوار على فروعه بما يخدم مخططات التنظيم الدولي، ويبدو أنّ قلق الإخوان في الجزائر ليس سببه قرار مجلس الأمن – فهم يعرفون أكثر من غيرهم أنّ حماس وافقت عليه ضمنيًا – بل لأن التقارب الجزائري–الأمريكي يشكّل تهديدًا مباشرًا لنفوذهم. فالعلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة لطالما كانت طيبة، لكن ملف غزة كان دائمًا نقطة ارتجاج في العلاقات. أما اليوم، ومع تجاوز هذا الخلاف تدريجيًا، فإن العلاقات مرشّحة للتحسن، خاصة وأنّ الولايات المتحدة دعمت استقلال الجزائر تاريخيًا، وكانت الجزائر من أول الدول التي اعترفت بقيام الولايات المتحدة بعد انفصالها عن بريطانيا.
ومع كل خطوة نحو تعزيز التعاون الجزائري–الأمريكي، يفقد الإخوان في الجزائر موطئ قدم داخل أي معادلة سياسية وطنية أو إقليمية أو دولية. إنهم يدركون جيدًا أنّ الجزائر القوية المتوازنة في تحالفاتها هي جزائر لا مكان فيها لخطابهم المتهاوي. للجزائر ربّ يحميها، ودولة تسير بثبات نحو حماية مصالحها، رغم كل الصراخ الذي يأتي من جحور الإخوان.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
دفاع أمريكي واستثمار سعودي… صفقة القرن غير المعلنة؟
تُعدّ زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة واحدة من أهم المحطات الدب…






