‫الرئيسية‬ الأولى أرنو بونييتي.. صحفي أم محامي دفاع؟
الأولى - الافتتاحية - 16 مايو، 2025

أرنو بونييتي.. صحفي أم محامي دفاع؟

أرنو بونييتي.. صحفي أم محامي دفاع؟
خرج الصحفي الفرنسي أرنو بونييتي، رئيس تحرير “Revue Politique et Parlementaire”، في خرجة إعلامية وصف فيها الكاتب الجاهل بالتاريخ والجغرافيا بوعلام صنصال بـ”الرهينة” بين فرنسا والجزائر. وبقدر ما قد يبدو الوصف للوهلة الأولى تعبيرًا عن تعاطف إنساني أو تضامن مهني، فإنه في حقيقته يحمل من الوقاحة الفكرية والتوظيف السياسي أكثر مما يحمل من الموضوعية أو الانشغال بقيم الحرية التي يدّعي الدفاع عنها.

فأن يُقدّم صنصال على أنه “ضحية” أو “رهينة”، يعني ضمنيًا تبرئته من مواقفه المتطرفة والمعادية لوطنه الأم، والتي صاغها بيده في مقالاته وكتبه ولقاءاته الإعلامية. لا يمكننا تجاهل حقيقة أن بوعلام صنصال لم يُمنع يومًا من التعبير عن آرائه، لا في الجزائر ولا في فرنسا، بل إن ما كسبه من شهرته وماله ومكانته في دوائر معينة، قد جاء أساسًا من تبنّيه لخطاب هجومي تجاه الجزائر، يروق لدوائر فرنكوفونية تبحث عن “أقلام عربية” تهاجم أوطانها.

إن من يسمّي نفسه كاتبًا حرًا عليه أن يتحمّل تبعات حريته. بوعلام صنصال لم يكن يومًا ملاحقًا من قِبل السلطات الجزائرية بسبب كتاباته الأدبية، بل لأنه تجاوز الخطوط الحمراء لحرية التعبير حين تحوّل إلى بوق دائم للتشكيك في سيادة الدولة، وتزييف الوقائع التاريخية، بل والتطبيع الصريح مع أطراف معادية لحقوق الشعوب.

أن تتحوّل حرية التعبير إلى منصة لتمجيد الاحتلال الصهيوني أو الترويج لمقولات استعمارية عن الجزائر، فهنا لا نتحدث عن حرية بل عن تواطؤ فكري واضح. إن الذين يروّجون لصنصال على أنه “ضمير حيّ” يعلمون جيدًا أنه لم يكن يومًا من دعاة الكرامة أو العدالة، بل من أولئك الذين يصنعون مجدهم الشخصي من تشويه شعوبهم.

إن تصريحات أرنو بونييتي تنمّ عن جهل فاضح بالسياق الجزائري، أو عن تجاهل متعمّد لحساسية الذاكرة الاستعمارية التي ما تزال تنزف في هذا البلد. حين يصف كاتبًا معروفًا بموقفه العدائي من الثورة الجزائرية ومن اللغة العربية والإسلام، بأنه “رهينة”، فإن بونييتي لا ينصف الأدب ولا حرية التعبير، بل يختزل الجزائر في صورة الدولة القمعية، بينما يغفل عن محاكمات كتّاب فرنسيين في قلب باريس لمجرد خروجهم عن “النص الرسمي”.

أين كان أرنو بونييتي حين مُنع كتاب ومفكرون فرنسيون من التعبير عن آرائهم في قضايا تاريخية أو سياسية لا توافق هوى المؤسسات؟ لماذا لا يدافع عن “رهائن” الفكر الحر داخل بلاده، إن كان صادقًا في دفاعه عن الحرية؟

بوعلام صنصال ليس رهينة، بل هو شريك في مشروع ثقافي وفكري يُعاد تدويره كلما اقتضت الحاجة إلى جلد الجزائر وتشويه تجربتها السياسية. أما أرنو بونييتي، فإن انحيازه لصديقه ليس المشكلة، بل إصراره على تقديمه في صورة “الضحية”، رغم كل ما صدر منه من إساءات مقصودة، هو ما يكشف زيف ما يُروَّج تحت يافطة “حرية التعبير”.

صنصال لم يكن يومًا كاتبًا محايدًا أو ناقدًا بنّاءً، بل لطالما كان جزءًا من آلة إعلامية فرنكوفونية تنتعش حين يهاجم أبناء جلدتهم أوطانهم. في مقابلة له مع إذاعة Europe 1، صرّح صنصال قائلًا: «الجزائر لم تخرج من الاستعمار، هي دولة فاشلة تحكمها عصابة ثورية تعيش على أوهام التاريخ». كيف يمكن لرجل يُفترض أنه “رهينة” أن يُمنح منابر كبرى ليهين رموز بلاده ويتهمها بعبارات كولونيالية مستهلكة؟

أحد أكثر مواقف صنصال صدمة للرأي العام الجزائري، هو تبرّؤه العلني من ثورة نوفمبر، حيث قال في مقابلة مع صحيفة Le Figaro سنة 2011: «الثورة الجزائرية لم تكن إلا حرب مصالح بين أطراف استخدمت الشعب كذريعة». إنها إهانة واضحة لشهداء البلاد، وتاريخ مجيد ضحى فيه الملايين من أجل التحرر من الاستعمار الفرنسي، الذي لم يسبق لصنصال أن وجّهه بلغة مشابهة.

وما يثير السخرية هو حديثه عن اللغة العربية بعبارات تنمّ عن عقدة واضحة، إذ قال مرة: «العربية لغة خشنة وغير مناسبة للأدب المعاصر، ومن الأفضل أن نتوجه كليًا للفرنسية». فهل هذا كاتب حر، أم أداة ناعمة لإقصاء الهوية الوطنية برعاية دوائر مشبوهة؟

الذي يُقدَّم كـ”رهينة” في باريس، هو ذاته من استُضيف عشرات المرات في قنوات فرنسية كـFrance 24 وTV5 Monde، ليكرّس صورة نمطية عن بلده الأم. كيف يكون رهينة من تُترجم أعماله إلى أكثر من 15 لغة، وتمنحه فرنسا أوسمة، من بينها وسام جوقة الشرف سنة 2010؟ كيف يكون رهينة من استقبل في إسرائيل وعبّر عن إعجابه بتجربتها “الديمقراطية”؟ هل من يطبّع مع الكيان الذي يغتصب الأرض وينتهك حقوق الإنسان يُعتبر مناضلًا؟

من حق صنصال أن يكتب، ومن حق الجزائر أن تردّ، ومن واجب المثقفين أن يميّزوا بين النقد البنّاء والخيانة الفكرية المغلّفة بأغلفة أدبية أنيقة.

تصريحات أرنو بونييتي لا تستحق فقط الرد، بل يجب فضح خلفياتها. دفاعه عن صنصال لا يعبّر عن نزاهة صحفية، بل عن توجه أيديولوجي، يعتبر الجزائر بلدًا غير ناضج ديمقراطيًا، ويُسقط عليه أحكامًا مبنية على مواقف فردية، مثل حالة صنصال، الذي تجاوز مرحلة “النقد” إلى مرحلة “التحريض الأنيق”.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

العدد 86 من يوميـــــة “المؤشر” 25|11|2025