الجزائر الثابتة في زمن الارتباك العالمي
بدأت حملة “الحركى 2.0” ضد الجزائر منذ الإعلان عن المسودة الأمريكية المقدّمة إلى مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء الغربية، والتي جاءت متناغمة مع الموقف المغربي، ما أثار رفضًا واسعًا داخل المجلس، حيث طالبت عدة دول بإعادة صياغتها لأنها منحازة لطرفٍ دون آخر. وليس من المستغرب أن تمر مثل هذه المسودات أمام مجلس الأمن ثم تخضع لاحقًا للتعديل والتوازن، كما حدث في مرات سابقة، ويبقى الأسبوع القادم حاسمًا لمعرفة كيف ستتطور التحالفات داخل المجلس، ومن سيقف مع من في هذا الملف الشائك.
في خضم هذه التطورات، يعلو صراخ بعض الأصوات المشبوهة التي تتهم الجزائر بالتقصير أو العزلة، وكأنها تملك مفاتيح مجلس الأمن أو تدرك كيف تُدار دبلوماسية القوى الكبرى. هؤلاء يتجاهلون عمق الأزمة داخل الإدارة الأمريكية نفسها، حيث يعيش البيت الأبيض حالة من الارتباك والاضطراب السياسي منذ تولي دونالد ترامب السلطة. فالرجل دخل في صدامات متكررة مع أقرب حلفائه؛ بدأها بكندا التي اعتبرها في أكثر من خطاب “ولاية أمريكية”، وواصلها مع المكسيك بسبب ملف الهجرة الذي أدى إلى شلل في قطاعات الإنتاج الزراعي نتيجة نقص اليد العاملة. كما تسببت سياسته العدائية تجاه اليابان وكوريا الجنوبية والصين في أزمات اقتصادية متتالية، وأضعفت الثقة في التحالفات الأمريكية التقليدية. أما الاتحاد الأوروبي، فقد قلّص من استيراد الغاز المسال الأمريكي بنسبة قاربت 40%، رغم الضغوط المتكررة من واشنطن.
وفي المقابل، دخل ترامب في مواجهة مفتوحة مع الصين التي ردّت بتقييد صادراتها من المعادن النادرة، ما جعل الصناعات العسكرية والمدنية الأمريكية في مأزقٍ استراتيجي خطير. واليوم يلوّح بالحرب ضد فنزويلا وكولومبيا، بعد أن أرسل حاملات طائرات نحو السواحل الفنزويلية طمعًا في أكبر احتياطي نفطي في العالم، في تناقضٍ صارخ مع خطابه الرافض للحروب.
وسط هذا المشهد المضطرب، يبدو أن تحليلات “الحركى 2.0” ضد الجزائر تفتقر إلى أبسط مقومات الفهم السياسي، إذ تتجاهل التحولات العالمية الكبرى، وتختزل الصراعات في زاويةٍ ضيقة، كأنّ الجزائر هي محور الكون ومصدر كل الأزمات. لكن الواقع مختلف تمامًا: فالعالم يعيش اليوم على صفيح ساخن، بين احتمال اندلاع مواجهة نووية بين روسيا والولايات المتحدة إذا تم تمرير صفقة صواريخ “توماهوك” إلى أوكرانيا، وبين ضغوط اقتصادية شرسة تمارسها واشنطن على الصين والهند لمنع شراء النفط الروسي. بل حتى منظومة البريكس، التي كانت تمثل صوت الجنوب الصاعد، تشهد تراجعًا في نشاطها وتأجيلًا لاجتماعاتها، فيما تم تأجيل القمة الروسية – العربية المرتقبة إلى أجل غير مسمى.
في هذا السياق، يصبح من العبث أن يختزل البعض الأزمة في الجزائر، بينما العالم يعاد رسم خرائطه السياسية والاقتصادية. الجزائر اليوم في حاجة إلى توحيد جبهتها الداخلية، وإلى تضامن أبنائها أكثر من أي وقت مضى، لأنها تقف أمام مرحلة إعادة تموضع عالمي لم تتضح معالمها بعد. أما أولئك الذين يسخرون من بلدهم أو يهاجمونه لمجرد الكراهية، فعليهم أن يدركوا أن مرحلة عدم الاستقرار هذه لا تصبّ في مصلحة أحد؛ لا المغرب كما يتوهّم بعض الجهلة، ولا حتى الولايات المتحدة التي تبحث عن موقعٍ جديد وسط نظام عالمي يتشكل من جديد.
إنها مرحلة دقيقة من التاريخ، لا مكان فيها للخيانات ولا للانفعالات، بل للعقل، والوعي، والالتفاف حول الوطن. فاتقوا الله في الجزائر… ففي زمن الفوضى، يبقى الثبات موقف الشجعان.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الحكم الذاتي… الانتحار المبرمج لـ”مملكة الليوطي”
شرح وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، في لقاء متلفز، كل حيثيات قرار مجلس الأمن،…







