‫الرئيسية‬ في الواجهة اقتصاد الجزائر تُطلق معركة تحديث الزراعة والأمن الغذائي
اقتصاد - الأولى - مال واعمال - ‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

الجزائر تُطلق معركة تحديث الزراعة والأمن الغذائي

الجزائر تُطلق معركة تحديث الزراعة والأمن الغذائي
تسعى الجزائر إلى دخول مرحلة جديدة من التنمية الزراعية من خلال إطلاق مشروع وطني واسع لتحديث القطاع الفلاحي يهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي ومواجهة التحديات البيئية والمناخية المتزايدة التي تفرضها التحولات العالمية. وفي هذا الإطار، تستعد وزارة الفلاحة والتنمية الريفية لتنظيم مؤتمر وطني حول تحديث الزراعة يومي 27 و28 أكتوبر 2025 في العاصمة الجزائرية، بمشاركة واسعة من الخبراء الوطنيين والدوليين من أجل وضع رؤية جديدة لمستقبل الزراعة الجزائرية تقوم على الرقمنة، والاستدامة، وحسن استغلال الموارد الطبيعية. ويُنتظر أن يشكل هذا المؤتمر نقطة تحول في السياسة الزراعية للبلاد، حيث تراهن الحكومة على إدخال التقنيات الحديثة وتحديث أدوات الإنتاج وتحسين أنظمة التمويل، بما يجعل الزراعة أكثر إنتاجية وربحية وأقل هشاشة أمام التغيرات المناخية.

ووفقاً لما أعلنته وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، فإن المؤتمر سيجمع نخبة من الخبراء والكفاءات الوطنية والدولية لمناقشة سبل إدخال التكنولوجيا الحديثة في الزراعة، وتعزيز الإنتاجية، وتطوير منظومة الري والاستغلال الأمثل للمياه، وتحديث التجهيزات والمعدات والبنية التحتية الزراعية، إلى جانب تعميم الرقمنة في مختلف مراحل العمل الزراعي من الزرع إلى التسويق. كما يشمل المشروع إعادة هيكلة الوزارة ومؤسساتها التابعة بما يسمح بإدخال أساليب الإدارة الحديثة والرقابة الرقمية على الأملاك الزراعية، فضلاً عن الاعتماد على التكنولوجيا الحيوية لتطوير أصناف جديدة من المحاصيل تتكيف مع الجفاف والحرارة المتزايدة في البلاد. ويأتي هذا التحول في سياق سعي الجزائر إلى بناء زراعة مستدامة قادرة على الصمود أمام التغير المناخي وضمان استقلالها الغذائي في المدى الطويل.

وتشير الدراسات الأكاديمية إلى أن الأنشطة الزراعية التقليدية في الجزائر، خاصة في المناطق السهبية والهضاب العليا، ساهمت في تعميق مشكلات التصحر وارتفاع نسبة ملوحة التربة وفقدان خصوبتها، إلى جانب انخفاض منسوب المياه الجوفية. هذه التحديات جعلت من قضية التحديث الزراعي ضرورة وطنية، وليست مجرد خيار تقني. وقد أثار الإعلان عن المؤتمر نقاشاً واسعاً في الأوساط العلمية والإعلامية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تساءل المهندس الزراعي حمود زيتوني عن مدى استعداد الزراعة الجزائرية لمواجهة التغير المناخي الذي أصبح أكثر قسوة سنة بعد أخرى، فيما دعت الباحثة مونة ميزاني إلى ضرورة توحيد جهود جميع الفاعلين في القطاع على أساس تواصل فعال بين المزارعين والإدارة والباحثين، معتبرة أن التواصل هو مفتاح نجاح أي مشروع وطني. أما المزارع محمد يزيد بومغار فانتقد بطء وتيرة الرقمنة، مشيراً إلى أن الفلاح ما يزال مطالباً بتقديم كميات كبيرة من الوثائق الورقية للحصول على البذور والأسمدة رغم الخطاب الرسمي الداعي إلى تحديث القطاع.

وفي السياق نفسه، شدد الخبير الزراعي عمر بسعود على أن إدخال الرقمنة في الزراعة لا يمكن أن ينجح دون برنامج وطني لتكوين الفلاحين وتأهيلهم تقنياً، مشيراً إلى ضرورة توفير التجهيزات الرقمية والإنترنت في المناطق الريفية. كما حذر من ضعف النظام الإحصائي الزراعي في البلاد، معبراً عن أسفه لعدم توفر بيانات محدثة منذ الإحصاء العام للفلاحة الذي أجري في يوليو 2024، في حين لا تزال آخر الأرقام المنشورة تخص سنة 2019. وأوضح أن أرقام إنتاج الحبوب لعام 2023 لم تُعلن إلا في يوليو 2024 عبر تقرير صادر عن بنك الجزائر، ما يعكس الحاجة الماسة إلى نظام معلوماتي زراعي فعال يمكن من متابعة الإنتاج بدقة. كما حذر بسعود من آثار التغير المناخي على الغرب الجزائري، ولا سيما في ولايات تيارت وتيسمسيلت وسعيدة التي تنتج حوالي 30 بالمائة من الحبوب الوطنية، حيث عانى المزارعون من الجفاف للسنة الثانية على التوالي دون تحقيق حصاد يُذكر، ما يجعل من تطوير الزراعة الجافة خياراً استراتيجياً لا مفر منه.

ويمتد مشروع التحديث الزراعي الجزائري إلى تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، إذ يُنتظر أن يشارك في المؤتمر القادم خبراء من أوروبا وتركيا وإيطاليا ضمن مسار شراكات فنية سابقة أثمرت عن نتائج مشجعة. ففي عام 2024، ساهم البرنامج الأوروبي PASA في تطوير قطاع زيت الزيتون عبر إدخال معايير إنتاج حديثة ورفع جودة المنتوج الوطني، فيما أطلقت شراكة مع خبراء من منطقة بريتاني الفرنسية برامج دعم لمربي الأبقار لتحسين إنتاج الحليب. وفي الجنوب الجزائري، أصبحت ولايات مثل أدرار وورقلة وتيميمون مسرحاً لتجارب زراعية واعدة بالشراكة مع مؤسسات أجنبية. ففي أدرار، تنتج الشركة التركية Dunaysir القمح منذ سنتين، بينما أسست شركة الفلاحة أطلس الجزائرية بالشراكة مع مستثمرين أتراك مشروعاً لإنتاج البنجر السكري في حاسي مسعود، وبلغ إنتاجها سنة 2020 نحو 60 ألف طن على مساحة 800 هكتار. كما يستعد خبراء إيطاليون للمشاركة في إنتاج القمح الصلب في تيميمون ضمن شراكة تقنية جديدة تهدف إلى نقل الخبرة وتعزيز الأمن الغذائي في الجنوب.

ويرى الخبراء أن هذه الشراكات تمثل خطوة عملية لنقل التكنولوجيا الزراعية إلى الجزائر وتطوير الأداء المهني للمزارعين، شرط أن تُواكبها إعادة تنشيط منظومة الإرشاد الزراعي التي تعاني ضعفاً هيكلياً منذ سنوات. وكان الباحث بنزيوش س.إ قد أشار في دراسة نُشرت عام 2014 في مجلة “Revue des Régions Arides” إلى أن نظام الإرشاد الزراعي في الجزائر يعاني ضعف الأداء وغياب الفاعلية نتيجة نقص الكفاءات وقصور وسائل التواصل بين الباحثين والفلاحين، فضلاً عن غياب المجلات المتخصصة التي تنشر المعرفة الزراعية وتواكب التطورات التقنية العالمية.

وفي سياق الإصلاحات الهيكلية، أكد الرئيس عبد المجيد تبون في آخر لقاء له مع الصحافة الوطنية أن الدولة ستربط مستقبلاً الدعم المالي الذي يستفيد منه الفلاحون بالتزامهم بتسليم محاصيلهم إلى التعاونيات الوطنية للحبوب، في خطوة تهدف إلى تنظيم السوق وضمان شفافية الدعم. ويعد هذا الإجراء تطبيقاً لمبدأ “الشرطية الزراعية” المعمول به في السياسة الزراعية الأوروبية المشتركة، والذي يربط الدعم المالي باحترام القواعد التقنية والمعايير البيئية للإنتاج. ويرى المتابعون أن تبني هذا النهج في الجزائر سيسهم في رفع مردودية الإنتاج وتحسين توزيع الدعم العمومي وتوجيهه نحو الفلاحين المنتجين الحقيقيين.

وبذلك تدخل الجزائر مرحلة جديدة من الإصلاح الزراعي الشامل عنوانها الرقمنة، والاستدامة، وحسن الحوكمة. فبين مواجهة التصحر والجفاف وضمان الأمن الغذائي وتوسيع الشراكات الدولية، تسعى البلاد إلى بناء زراعة ذكية ومتكيفة مع التغير المناخي، تكون قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وحماية الموارد الطبيعية، ودعم الاقتصاد الوطني في السنوات القادمة. إنها معركة من أجل البقاء في زمن التغيرات المناخية، لكنها أيضاً معركة من أجل السيادة الغذائية والنهضة الاقتصادية التي تراهن عليها الجزائر بثقة وخطى ثابتة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

وزير الداخلية الفرنسي يكشف اتصالًا رسميًا من الجزائر

تلوح في الأفق بوادر انفراج حذرة في العلاقات الجزائرية – الفرنسية بعد أشهر من الجمود والتوت…