الدويرة: أزمة التعليم تتفاقم في ثانوية محمد خوجة
تعيش ثانوية محمد خوجة ببلدية الدويرة غرب العاصمة الجزائرية منذ أكثر من شهر وضعًا تربويًا مأزومًا غير مسبوق، إذ توقفت الدراسة في عدد من المواد الحيوية بعد امتناع ما يقارب عشرة أساتذة عن التدريس، في وقت تتواصل فيه معاناة التلاميذ وأوليائهم وسط غياب تام لأي حل عملي من الجهات الوصية. هذا التوقف، الذي دخل أسبوعه الخامس، لم يعد مجرد حادث عابر أو سوء فهم داخلي، بل أصبح أزمة حقيقية تهدّد الموسم الدراسي بأكمله وتضع مصير مئات التلاميذ في دائرة الغموض، فيما تُشير شهادات الأسر إلى حالة من الإحباط والقلق المتزايدين أمام تعنّت بعض الأطراف وصمت الإدارة والأكاديمية.
منذ الأيام الأولى للأزمة، حاولت المنظمة والجمعية الممثلتان لأولياء التلاميذ التدخل عبر قنوات الحوار، والتواصل مع إدارة الثانوية والأكاديمية الولائية للتربية، في مسعى لإيجاد تسوية تحفظ حق التلاميذ في التعليم دون المساس بحقوق الأساتذة. غير أن هذه الجهود اصطدمت – حسب ما تؤكده البيانات المنشورة على صفحات أولياء التلاميذ في مواقع التواصل الاجتماعي – بوعود متكررة لم تتجسد على أرض الواقع، ما جعل التلاميذ يظلون بلا دروس في أكثر من عشر مواد أساسية. وتؤكد عدة مصادر أن الأزمة اندلعت على خلفية خلافات بين مجموعة من الأساتذة والإدارة، يُعتقد أنها تتعلق بطريقة التسيير وبعض القرارات الإدارية التي اعتبرها الأساتذة “تعسفية”، فيما ترى الإدارة أنها مجرّد محاولة لفرض منطق جماعي خارج الإطار القانوني للمرفق التربوي.
الإشكال لم يتوقف عند حدود الانقطاع البيداغوجي، بل تعدّاه إلى تأثيرات أعمق على المناخ المدرسي بأكمله. فالتلاميذ، خاصة المقبلين على الامتحانات الرسمية، أصبحوا يعيشون حالة من التوتر والارتباك بسبب فقدانهم الإيقاع الدراسي المنتظم، في حين تعيش الأسر بين ضغط إعادة المراجعة الذاتية في المنزل وقلق المستقبل الدراسي لأبنائهم. بعض الأولياء عبّروا في تصريحات منشورة على مواقع محلية مثل المؤشر والسياسي عن استيائهم من استمرار الأزمة، معتبرين أن “الضحية الوحيدة هي التلميذ”، وأن الجهات الوصية كان يفترض أن تتدخل منذ الأيام الأولى لتطبيق القانون أو توفير أساتذة بدائل مؤقتين لتدارك الفاقد الزمني.
غير أن ما يثير القلق في حالة ثانوية محمد خوجة هو حجم الصمت الرسمي والتعتيم الإعلامي حول القضية. فرغم تداول صور وفيديوهات لتلاميذ يحتجون أمام المؤسسة، وتقارير بثّتها قنوات محلية مثل قناة النهار، لم يصدر إلى اليوم أي بيان واضح من الأكاديمية يشرح أسباب الأزمة أو يقدّم خطة عملية لاستدراك الدروس. هذا الغياب للشفافية جعل الإشاعات تتكاثر والتأويلات تتعدد، بين من يتحدث عن صراع إداري ومن يرى في الأمر تمردًا غير مبرر من بعض الأساتذة. وفي ظل هذا الغموض، يبقى التلميذ في قلب العاصفة دون أي ضمانات لحقوقه البيداغوجية أو النفسية.
تفاقم الوضع أيضًا بسبب غياب آليات استدراك فورية أو ما يُعرف بخطة الطوارئ التعليمية، إذ لم يتم بعد الإعلان عن أي جدول لتعويض الدروس المهدورة أو تنظيم حصص دعم إضافية، كما لم تُفعّل إجراءات إعادة توزيع الأساتذة من مؤسسات مجاورة كما تنص عليه التعليمة التنظيمية في حالات الشغور المؤقت. وهو ما دفع أولياء التلاميذ إلى التلويح بالتصعيد واللجوء إلى السلطات العليا، مؤكدين أن صبرهم بدأ ينفد وأن الوقت يمرّ دون حلول. أحد الأولياء كتب في منشور متداول على فيسبوك: “لم نعد نطلب المعجزات، نريد فقط أن يدرس أبناؤنا…”.
الأزمة إذن لا تُختزل في خلاف إداري أو مطلب مهني، بل تكشف عن ثغرات أعمق في طريقة إدارة قطاع حساس كالتربية، حيث يُفترض أن تكون مصلحة التلميذ هي الأولوية القصوى. فمن غير المقبول، قانونيًا وأخلاقيًا، أن تُعطّل الدراسة لشهرٍ كامل دون تعويض، في حين يمكن – لو توفرت الإرادة والجرأة – تفعيل حلول بديلة مثل الأساتذة الاحتياطيين أو حصص الدعم المركزة خلال العطل. كما أن التواصل الدوري مع الأولياء وتقديم توضيحات يومية حول تطورات الأزمة كان كفيلًا بتخفيف التوتر واستعادة الثقة بين مكوّنات الجماعة التربوية.
لقد أثبتت تجربة ثانوية محمد خوجة أن الصمت والتأجيل يضاعفان الأزمات بدل أن يحلّاها، وأن غياب قنوات الحوار داخل المؤسسات التعليمية يخلق بيئة خصبة للاحتقان. لذلك فإن المطلوب اليوم ليس فقط معالجة الوضع الراهن، بل إعادة بناء منظومة تسيير المدرسة على أسس الشفافية والمساءلة المشتركة. فالمرفق العمومي للتربية لا يحتمل منطق الصراع، بل يحتاج إلى روح الخدمة والمسؤولية، لأن كل يوم ضائع من عمر التلميذ هو خسارة للوطن بأكمله.
وبينما ينتظر التلاميذ العودة إلى مقاعدهم، يبقى السؤال معلقًا، من يتحمّل مسؤولية ما جرى؟ هل هو خلل إداري، أم سوء تقدير من هيئة التدريس، أم عجز في تفعيل سلطة الوصاية؟ الأكيد أن هذه الأزمة يجب ألا تمرّ مرور الكرام، بل أن تكون منطلقًا لإصلاح فعلي يضمن عدم تكرار مثل هذه المآسي، لأن التعليم ليس مجرد عمل وظيفي، بل رسالة ومسؤولية أمام الأجيال القادمة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
العدالة تلاحق “خفافيش الإشهار”.. التماس 10 سنوات حبسًا في قضية “أناب2”
اهتزّت قاعة محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد بالعاصمة الجزائرية، في ليلة …