الناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية: قطيعة ريتايو مع الجزائر أضرت بفرنسا ولم تُحقق نتائج
قدّمت الناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية مود بريجون سلسلة من التصريحات المطوّلة التي تناولت فيها مختلف جوانب العلاقة بين فرنسا والجزائر، وذلك في سياق الجدل الذي انفجر داخل الأوساط السياسية الفرنسية عقب الإعلان عن الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال بعد فترة احتجاز دامت قرابة عام في الجزائر. وقد جاءت تصريحات بريجون ردًا على انتقادات حادة، بعضها وصل حدّ المبالغة، صدرت من طيف واسع من الساحة السياسية الفرنسية، بما في ذلك الأوساط المتطرفة التي اعتبرت أن فرنسا تعرضت للإهانة أو أنها “تتصرف من موقع ضعف” في تعاملها مع الجزائر. وأكدت بريجون أن مثل هذا الخطاب لا يعبّر إلا عن قراءة سطحية للدبلوماسية، بل ويغفل تمامًا التعقيدات الحقيقية للملفات المشتركة بين البلدين، مشيرة إلى أن الأهم بالنسبة للحكومة الفرنسية هو عودة مواطن فرنسي إلى بلده بعد معاناة دامت أشهراً، وهو حدث يفترض أن يثير الإجماع الوطني، لا أن يتحول إلى مادة للمزايدات.
وخلال ردها على أسئلة مقدّم البرنامج حول ما إذا كان تدخل الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير في الوساطة يعكس إضعاف الدور الفرنسي، رفضت بريجون هذه الفكرة بشكل قاطع، معتبرة أن العمل مع الشركاء الأوروبيين لا يشكل انتقاصًا من السيادة الفرنسية، بل يندرج ضمن روح التعاون التي تسمح بتجاوز العقبات الدبلوماسية. وأكدت أن الزجّ بهذه القضية في سجالات حزبية بعد ساعات فقط من إعلان الإفراج يثير لديها شعورًا بـ”الاشمئزاز”، على حد وصفها، لأنه يتجاهل البعد الإنساني للقضية، ويميل إلى تحويل كل حدث إلى ورقة سياسية لاستهداف الحكومة.
وفي سياق النقاش حول طريقة التعامل مع الجزائر، انتقلت بريجون إلى نقد السياسة التي يدعو إليها برونو ريتايو وعدد من قيادات اليمين، والتي تقوم على القطيعة ووقف الاتصالات الرسمية مع الجزائر باعتبارها وسيلة للضغط. وأوضحت الناطقة الرسمية أن هذه الطريقة لم تؤدِّ فقط إلى نتائج عكسية، بل تسببت في تعطيل ملفات حساسة للغاية. وأشارت إلى أن سياسة “اللا تواصل” أثبتت أنها غير فعّالة، وأنها أضرت بالمصالح الفرنسية في ثلاثة محاور رئيسية: مكافحة الإرهاب، التعاون الاستخباراتي، وملف الهجرة غير النظامية. وقالت إن مكافحة الإرهاب تتطلب تبادلًا منتظمًا للمعلومات، وإن انقطاع الحوار يقلل من قدرة الأجهزة الفرنسية على التصدي للخطر، خصوصًا في ظل الظروف الأمنية التي أحيت هذا الأسبوع الذكرى العاشرة لاعتداءات 2015، وهي ذكرى قالت إنها تذكّر الفرنسيين بأهمية التعاون الأمني المتبادل.
وفي ما يتصل بملف الهجرة، شرحت بريجون أن تنفيذ قرارات الترحيل بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين من أصل جزائري يتطلب إصدار تصاريح قنصلية من الجزائر، وهي وثيقة أساسية لبدء إجراءات إعادة المعنيين إلى بلدهم. وأضافت أن انقطاع الاتصال تسبب في خفض عدد هذه التراخيص إلى النصف، الأمر الذي جعل تنفيذ قرارات الإبعاد أكثر تعقيدًا وأقل فعالية. وأوضحت أن هذا الجانب “تقني”، لكنه جوهري في السياسة الواقعية للدولة، وهو ما جعل القطيعة التي دعا إليها بعض السياسيين تؤدي في النهاية إلى تقويض أهدافهم أنفسهم، بدل تحقيقها.
كما ردّت بريجون على الاتهامات الصادرة عن شخصيات بارزة في اليمين المتطرف مثل جوردان بارديلّا وإريك زمور، والتي تتهم الحكومة بما وصفوه “الخضوع” للجزائر. ووصفت هذه التصريحات بأنها “مخزية” و”غير مسؤولة”، مؤكدة أن فرنسا ليست في موقع ضعف، وأن إطلاق مثل هذه العبارات يعكس جهلًا بطبيعة العلاقات الدولية. وشددت على أن الدبلوماسية ليست منصة لإطلاق الشعارات أو تسجيل النقاط السياسية، وأن من يكتفون بالخطابات النارية يتجاهلون التعقيد العملي في الملفات الثنائية، ويتناسون أن الحلول تتطلب وقتًا ومفاوضات طويلة.
وتطرقت بريجون أيضًا إلى حالة الصحفي الفرنسي كريستوف بليز الذي لا يزال محتجزًا في الجزائر، مؤكدة أن الحكومة تعمل يوميًا على هذا الملف كما عملت في ملف بوعلام صنصال، لكن عبر قنوات دبلوماسية هادئة وغير معلنة، لأن الدبلوماسية الحقيقية – كما قالت – لا تُمارس عبر المنابر التلفزيونية ولا من خلال الضوضاء الإعلامية، بل تحتاج إلى صبر وهدوء. وأشارت إلى أن الحكومة الفرنسية ستواصل العمل من أجل إطلاق سراحه، مؤكدة أن هذا الجهد مستمر بصمت واحترام للإجراءات الضرورية.
وختمت بريجون تصريحاتها بالتأكيد أن فرنسا لم تكن في يوم من الأيام في موقع ضعف تجاه الجزائر، وأن ما تحتاجه العلاقات الثنائية هو الواقعية والانفتاح والحوار، وليس الانغلاق والقطيعة التي تروّج لها التيارات اليمينية المتشددة. وأوضحت أن الحكومة تعوّل على الدبلوماسية الهادئة والتواصل المباشر لتحقيق تقدم في الملفات العالقة، وأن التجربة أثبتت أن الخطابات المتشنجة لا تحقق أي نتائج، بينما يحقق العمل الدبلوماسي المستمر والبعيد عن الأضواء ما قد تعجز عنه الشعارات.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
“ريفولوشن”.. نقلة نوعية في خدمات الاتصالات بفضل موبيليس
أطلقت موبيليس رسميًا الجيل الجديد من عروضها تحت تسمية “ريفولوشن”، في خطوة تؤكد…






