تقارب الجزائر وتونس يربك الحسابات الفرنسية!
تشهد الساحة الإعلامية الفرنسية في الآونة الأخيرة حملة واضحة تستهدف الجزائر وتونس، على خلفية التقارب المتزايد بين البلدين في مجالي الأمن والدفاع. فقد وجّهت بعض وسائل الإعلام الفرنسية، وفي مقدمتها صحيفة لو فيغارو، اتهامات لقيادتي الدولتين بالمصادقة على ما وصفته بـ«اتفاق سري» للتعاون العسكري، في طرح يفتقر إلى الدقة ويثير تساؤلات حول خلفيات هذا التصعيد الإعلامي وتوقيته.
هذه الحملة لم تقتصر على الإعلام الفرنسي وحده، بل ترافقت مع مواقف وتصريحات صدرت عن شخصيات سياسية معروفة بقربها من دوائر إقليمية معادية للتقارب الجزائري-التونسي. ويُلاحظ في هذا السياق عودة أصوات محسوبة على التيار الإخواني، إلى جانب الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، الذي يثير الجدل منذ سنوات بمواقفه العدائية تجاه الجزائر، وتحوله إلى أحد أبرز المنتقدين لأي تقارب إقليمي لا ينسجم مع أجندات معينة. هذا التحول، بحسب متابعين، لا يمكن فصله عن شبكة التحالفات الإقليمية التي بات يتحرك ضمنها، والتي تلتقي في كثير من نقاطها مع مصالح المخزن المروكي.
الحملة التي تقودها بعض الصحف الفرنسية تزعم وجود اتفاق أمني سري بين الجزائر وتونس، وهو ادعاء تنفيه الوقائع، إذ إن التعاون الأمني والعسكري بين البلدين معلن، وموثق، ومنشور في بيانات رسمية صادرة عن المؤسسات المعنية في كلا البلدين. كما أن هذا التعاون يندرج في إطار العلاقات الطبيعية بين دولتين جارتين تربطهما حدود طويلة وتحديات أمنية مشتركة، ولا يحتاج إلى وصاية أو مباركة من أي طرف خارجي.
من هذا المنطلق، يرى محللون أن الانزعاج الفرنسي لا يرتبط بطبيعة الاتفاق ذاته، بقدر ما يعكس قلقًا أعمق من فقدان النفوذ التقليدي في منطقة تعتبرها باريس جزءًا من مجالها الحيوي. ففرنسا، التي اختارت منذ سنوات الاصطفاف إلى جانب محور إقليمي يضم المروك وإسرائيل، تجد نفسها اليوم أمام تقارب جزائري-تونسي مستقل، يرفض منطق التبعية، ويضع أمن المنطقة في يد أبنائها.
التعاون الأمني الجزائري-التونسي يُعد، في نظر الكثيرين، ضرورة حيوية للشعبين، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة التي تمثلها الجماعات الإرهابية العابرة للحدود. هذه الجماعات، التي تضم عناصر من جنسيات متعددة، تستغل هشاشة بعض المناطق الحدودية الوعرة لتنفيذ عمليات إجرامية، مستفيدة من دعم مالي ولوجستي معروف المصدر. وتأتي هذه التهديدات في سياق إقليمي معقد، حيث ما تزال ليبيا المجاورة تعاني من اختلالات أمنية خطيرة قد تسهّل تسلل مجموعات مسلحة إلى دول الجوار.
تجربة الجزائر الطويلة في مواجهة الإرهاب، خاصة خلال سنوات التسعينيات، مكّنت الجيش الجزائري من اكتساب خبرة ميدانية معتبرة في محاربة هذا النوع من الإجرام المنظم، الذي يتستر بالدين لتجنيد المقاتلين وتنفيذ مخططات تخريبية. هذه الخبرة تشكل عنصر دعم مهمًا لتونس، التي تواجه بدورها تحديات أمنية حقيقية، ما يجعل التعاون بين البلدين خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه.
في هذا السياق، يؤكد متابعون أن الاتفاقية الأمنية والتعاون العسكري بين الجزائر وتونس شأن سيادي بحت، لا يخص فرنسا ولا غيرها. أما محاولات الإعلام الفرنسي تصوير هذا التعاون على أنه «سري» أو «مريب»، فهي لا تعدو كونها أسلوبًا معتادًا لإضفاء طابع الإثارة والتشويق، بهدف التشويش على مسار تعاون مشروع، وتشويه صورة قيادتي البلدين أمام الرأي العام.
الجزائر، التي دفعت ثمنًا باهظًا في مواجهة الإرهاب، تدرك جيدًا الجهات التي دعمت هذه الجماعات، سرًا وعلنًا، في مراحل مختلفة. كما تعرف أن بعض القوى الاستعمارية التقليدية، رغم خطابها العلني ضد الإرهاب، لم تتردد في توظيفه عندما تعلق الأمر بضرب استقرار دول تعتبرها خارجة عن دائرة نفوذها.
وعليه، فإن التعاون الجزائري-التونسي في المجال الأمني لا يمثل تهديدًا لأحد، بل يشكل خطوة طبيعية لتعزيز الاستقرار الإقليمي، في منطقة لا تزال عرضة للتجاذبات والمؤامرات. أما القلق الفرنسي، فيبدو انعكاسًا لفقدان أدوات السيطرة القديمة، أكثر منه حرصًا حقيقيًا على أمن المنطقة وشعوبها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
هل انطلقت المواجهة الإماراتية-السعودية في اليمن؟
تُظهر تطورات المشهد الإقليمي، من اليمن إلى السودان، ملامح تحولات عميقة في موازين النفوذ دا…






