حرب المعادن النادرة… رصاصة الصين في قلب واشنطن
لم تمر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شرم الشيخ، والنجاح الذي حققه بجمع نحو عشرين قائدًا من مختلف بلدان العالم، مرورًا هادئًا. فبينما كان يحتفل بما وصفه بـ”التحالف الدولي الجديد من أجل السلام”، تلقّى صدمة من بكين التي أعلنت عن تشديد قيودها على تصدير المعادن النادرة إلى الخارج، في خطوة اعتُبرت ردًّا مباشرًا على السياسات التجارية الأمريكية المتصاعدة. وردّ ترامب مهدّدًا بفرض رسوم جمركية جديدة قد تصل إلى 100 في المئة على الواردات الصينية، وألمح إلى إمكانية إلغاء اللقاء المرتقب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ إذا لم تتراجع بكين عن قرارها.
حرب المعادن النادرة لم تبدأ اليوم، لكنها دخلت مرحلة أكثر سخونة منذ أن قررت الصين إخضاع تصدير هذه المعادن لنظام تراخيص خاص من سلطاتها، ما أدى إلى تقليص تدفقها نحو الأسواق العالمية، خصوصًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الخطوة أثارت قلقًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والعسكرية في واشنطن، لأن جزءًا كبيرًا من الصناعات الأمريكية الحساسة — من إنتاج الطائرات إلى الصواريخ والمعدات الإلكترونية — يعتمد على عناصر تُعرف باسم “الأتربة النادرة”، التي تهيمن الصين على أكثر من 90 في المئة من عمليات معالجتها وتكريرها عالميًا.
بدون هذه المعادن، ستواجه الصناعات الأمريكية تحديات كبرى، إذ تُستخدم في تصنيع طائرات إف-35، والأنظمة الصاروخية المتطورة، والمكونات الإلكترونية الدقيقة، والمغناطيسات الخاصة، فضلًا عن بطاريات الليثيوم التي تدخل في كل شيء من السيارات الكهربائية إلى الهواتف الذكية والآليات العسكرية الحديثة.
الصين تمتلك اليد العليا في هذا المجال، فهي الوحيدة التي تملك سلسلة إنتاج وتكرير شبه مكتملة لهذه المعادن، وهو ما يمنحها سلاحًا استراتيجيًا قويًا في مواجهة واشنطن. ويرى خبراء أن الولايات المتحدة لا يمكنها تقليل اعتمادها على الصين في هذا القطاع قبل مرور سنوات طويلة، وباستثمارات ضخمة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، رغم سعيها المتواصل لإحياء مشاريع التعدين في أستراليا وكندا وداخل أراضيها.
الأزمة لا تقتصر على أمريكا وحدها، فحتى ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تواجه ضغوطًا متزايدة بسبب القيود الصينية، حيث تعتمد صناعاتها، خصوصًا السيارات والإلكترونيات، على تدفق هذه المواد. وقد طالبت برلين بالفعل المفوضية الأوروبية بالتدخل للضغط على بكين من أجل زيادة الكميات المصدّرة لتجنّب تعطل خطوط الإنتاج.
لقد أصبحت حرب المعادن النادرة السلاح الاقتصادي الجديد الذي تستخدمه الصين للرد على الإجراءات الأمريكية المتشددة، بما فيها الرسوم الجمركية والعقوبات التجارية. وتأتي هذه التطورات في سياق تصاعدي للعلاقات بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، حيث يرى مراقبون أن المواجهة لم تعد اقتصادية فحسب، بل تحولت إلى صراع استراتيجي طويل الأمد حول من يملك مفاتيح التكنولوجيا الحديثة والطاقة المستقبلية.
في المقابل، تواجه واشنطن تحديًا حقيقيًا في حماية تفوقها الصناعي والعسكري في ظل هذا الضغط الصيني، إذ تخشى من أن يؤدي استمرار الأزمة إلى تباطؤ في الإنتاج العسكري والتكنولوجي، وإلى اضطراب في الأسواق العالمية التي تعتمد على الصناعات الأمريكية.
وهكذا، تتخذ الحرب بين الصين وأمريكا اليوم شكلاً جديدًا لا تُستخدم فيه الصواريخ ولا الأساطيل، بل المعادن النادرة — العنصر الصغير الذي أصبح أكبر ورقة ضغط في ميزان القوة العالمية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
قمة شرم الشيخ… سلام بلا دولة
بعد أن زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكيان الصهيوني ليقدّم له كل الضمانات، وألقى خطابً…