دفاع أمريكي واستثمار سعودي… صفقة القرن غير المعلنة؟
تُعدّ زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة واحدة من أهم المحطات الدبلوماسية في مسار العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، بعدما أثمرت حزمة من الاتفاقيات الإستراتيجية الحساسة، أبرزها اتفاقية دفاعية جديدة تُعيد تشكيل موازين التحالفات في المنطقة. فوفق المعطيات المعلنة، توصّلت الرياض وواشنطن إلى اتفاق دفاع يُشبه إلى حدّ كبير ذلك الموقع مع قطر، والذي يضمن بموجبه الجيش الأمريكي حماية الدوحة في حال تعرضها لأي تهديد عسكري، على غرار مبدأ المادة الخامسة في ميثاق حلف شمال الأطلسي. وبموجب التفاهم الجديد، تحصل السعودية على التزام أمريكي مماثل، يُعدّ سابقة في العلاقات بين الطرفين.
ورغم ما رشح من تسريبات، يبقى الغموض قائمًا حول الشروط الأمريكية المرافقة لهذا التحالف، وعلى رأسها شرطٌ كانت واشنطن تُصرّ عليه أثناء المفاوضات: التزام الرياض بوقف أي إمداد نفطي للصين في حال اندلاع مواجهة عسكرية أمريكية–صينية. ورغم عدم صدور إعلان رسمي يؤكد قبول المملكة بهذا الشرط، إلا أن الحديث عنه يعكس حجم التحولات الجيوسياسية التي تُعاد صياغتها حول الخليج.
وفي سياق التفاهمات الجديدة، أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تأكيد استعداد واشنطن لبيع مقاتلات “F-35” من الجيل الخامس للرياض، في خطوة تعني تحوّلًا كبيرًا في ميزان التسليح. لكن الصفقة ما تزال معلّقة بانتظار موقف وزارة الدفاع الأمريكية التي تخشى—ضمن حسابات أمنية—من إمكانية وصول التكنولوجيا العسكرية الحساسة إلى الصين بالنظر إلى مستوى التعاون التقني المتقدم بين بكين والرياض. أما إسرائيل، فتعترض بشدة على الصفقة، لكنها قد تعيد النظر في موقفها إذا اتّخذت السعودية خطوة علنية نحو التطبيع في إطار “اتفاقيات أبراهام”.
ورغم تسارع مسار التقارب الأمريكي–السعودي، لا تزال الرياض متمسكة، رسميًا على الأقل، بخيار “حل الدولتين” في الشرق الأوسط، بينما تواصل إسرائيل رفض هذا المسار بالكامل، بعد أن كرّست واقعًا ميدانيًا يُجهض اتفاقية أوسلو من جذورها، بدءًا من عزل غزة عن الضفة الغربية، وصولًا إلى تدمير البنية التحتية التي كانت تؤسس لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، بما في ذلك المطار والميناء اللذان كانا يمثّلان المنفذ الخارجي للكيان الفلسطيني الناشئ. وقد ساعدت حركة “حماس”—بحكم قراراتها العسكرية والسياسية—في تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي عبر تعميق الانقسام الداخلي الفلسطيني.
وتأتي هذه الزيارة لتُعيد السعودية تدريجيًا إلى محور تحالفها الإستراتيجي التاريخي مع الولايات المتحدة، عبر ربط منظومتها الدفاعية باتفاق أمني مباشر يضمن حماية المملكة مقابل التزامات اقتصادية ضخمة. وبحسب تقديرات أولية، تستعد الرياض لضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، سواء عبر الاستثمارات المباشرة أو عبر العقود المرتبطة بمشاريع صناعية وعسكرية جديدة. وفي المقابل، يُنتظر أن تُخفّض المملكة من مستوى تعاونها مع شركاء دوليين أصبحوا مصدر قلق لواشنطن، وعلى رأسهم الصين وروسيا.
وتتوقع دوائر أمريكية أن هذا التحالف الدفاعي الجديد سيمهد، عاجلًا أم آجلًا، لتطبيع رسمي للعلاقات السعودية–الإسرائيلية، خاصة وأن الضغوط التي مارستها إدارة بايدن، ومن قبلها إدارة ترامب، كانت تربط التطور في العلاقات الأمنية بملف التطبيع. وفي كل الحالات، فإن مستقبل المنطقة سيكون مرتبطًا بدرجة كبيرة بالمسار الذي ستتخذه هذه الاتفاقيات.
اقتصاديًا، تشهد العلاقات السعودية–الأمريكية طفرة غير مسبوقة، إذ تعمل الشركات الأمريكية والسعودية على وضع أسس شراكات واسعة تمتد من توطين الصناعات العسكرية، إلى التكنولوجيا المدنية المتقدمة، مرورًا بفتح آفاق جديدة للاستثمار والتبادل التجاري. وتُعدّ هذه التحركات جزءًا من رؤية اقتصادية سعودية طموحة تهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي وتقليص التبعية لمورّدين خارجيين، مع إبقاء الولايات المتحدة الشريك المركزي في مجالات الدفاع والتكنولوجيا العالية.
في المحصلة، ما خرجت به زيارة ولي العهد إلى واشنطن ليس مجرد اتفاقيات عادية، بل مسار استراتيجي طويل المدى، يحمل في طياته تحولات إقليمية كبرى قد تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، مع تساؤلات مفتوحة حول موقع القضية الفلسطينية ومستقبل التطبيع في ظل إعادة تشكل التحالفات.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التقارب الجزائري–الأمريكي يزلزل الإخوان
مرة أخرى، يظهر تيار الإخوان المسلمين في الجزائر في حالة غضب عارم بسبب تصويت بلادنا على قرا…






