ديمقراطية هتلر
خطوة بعد خطوة وتنازل بعد تنازل، أصبحت أحزاب اليمين العنصري المتطرف جزءًا من المشهد السياسي في أوروبا عامة وفرنسا خاصة، رغم أنها عرفت تجربة هتلر الذي قتل 55 مليون مواطن أوروبي خلال الحرب العالمية الثانية. هتلر الذي صعد إلى الحكم في ألمانيا بطريقة ديمقراطية وعبر الانتخابات، وها نحن اليوم نشاهد عودة نفس المشهد بعد أن غيبت الذاكرة وبدأت عمليات المراجعة لتاريخ أوروبا، وأصبحت النازية الجديدة تستعمل كما يحدث في أوكرانيا كذراع سياسي وعسكري يساعد الاستعمار الغربي في خططه ضد روسيا ولاحقًا شعوب أخرى. مثل استعمال داعش التي قتلت أكثر من 4000 مواطن بعد تأسيسها من طرف هيلاري كلينتون والمخابرات الأمريكية، وهو دليل آخر على توظيف التطرف بكل أشكاله: ديني، سياسي، طائفي، مثل حركة الماك ورشاد من أجل تحقيق أغراض سياسية وأهداف خبيثة ضد الدول والشعوب التي لا تقبل الإملاءات الغربية.
هذا التدهور في الممارسة السياسية أصاب المجتمعات الغربية نفسها، وشاهدنا الاحتفالات بعملية إنزال النورمندي بحضور الجيش الأوكراني دون خجل، لأن هذا الجيش كان من داعمي النازية وكان يتتبع جيوش الحلفاء والمقاومين من أجل إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للنازيين لسجنهم أو إعدامهم. سبحان مغير الأحوال، مجرم الأمس يتحول إلى منتصر اليوم.
اختلاط المفاهيم وتزييف الأحداث التاريخية ساهم في خلط الأوراق في أوروبا، وأصبح عدو ومجرم الأمس يوصف بالوطني بل يتم التصويت له بقوة ويمكنه من الوصول إلى سدة الحكم، كما حصل في النمسا منذ سنوات وفي عدد من بلدان أوروبية أخرى.
أصبح المواطن الأوروبي، مع تعرضه لسلسلة من التحريفات والتزييفات والتحالفات غير الطبيعية، لا يفرق بين الضحية والجلاد، بل أصبح حتى لا يخشى ولا يخاف من جلاد وقاتلي الأمس. وتصالحت الضحية مع الجلاد على أساس صناعة عدو جديد مشترك يجسد ذلك العربي والمسلم الوافد من وراء البحار باحثًا عن لقمة عيشه. الصهيونية والرأسمالية تتصالح مع الفاشية والنازية بشرط التفاهم والتحالف ضد العدو الجديد.
تصويت الفرنسيين الذين يعيشون فوق الأراضي العربية لصالح العنصريين المتطرفين والصهاينة يجسد لوحده هذا التحول الدرامي والخطير والمثير للقلق لأنه يطعن في القيم الإنسانية الأساسية ويساوي بين الضحية وقاتلها.
فرنسا تعيش اليوم على الجبهة الوطنية ضد الجبهة الشعبية، عودة إلى استنطاق التاريخ لعله يساهم في صحوة الفرنسيين وينقذ فرنسا من سقوطها الحر في براثن الفاشية بثوبها الجديد المخادع، ممثلة في شاب فشل في دراسته تمامًا كما كان سابقه هتلر، وجد ضالته في الممارسة السياسية وبات يبحث عن السلطة لإفراغ أحقاده ضد مجتمع عاش فيه أجداده المهاجرين فتنكر لهم ولتاريخهم.
لخضر فراط صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي مدير نشر جريدة المؤشر
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…