‫الرئيسية‬ الأولى شكرًا لك يا جنرال…
الأولى - الافتتاحية - 2 أغسطس، 2025

شكرًا لك يا جنرال…

شكرًا لك يا عميد…
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا مقطع فيديو للعميد اللبناني المتقاعد خالد حمادة، ظهر فيه كمحلل سياسي على إحدى القنوات، وهو يعلّق على زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي، العماد جوزاف خليل عون، إلى الجزائر. ورغم أن حمادة لم يرفض صراحة المساعدة التي عرضتها الجزائر للبنان، إلا أن تعليقاته حملت استعلاءً سياسيًا واستخفافًا غير مبرر بدولة ذات سيادة وتاريخ بحجم الجزائر.

حمادة، الذي شغل سابقًا مناصب رفيعة في الجيش اللبناني، لم يتردد في وصف الجزائر بأنها “دولة معزولة سياسيًا”، وأنها “تواجه مشاكل مع العديد من الدول”، متسائلًا باستغراب: “كيف يمكن لرئيس لبنان أن يزور الجزائر؟”، معتبرًا أن الزيارة “سقطة دبلوماسية”، ملقيًا باللوم على مستشاري الرئيس عون الذين “سمحوا له بذلك”، حسب تعبيره.

المفارقة أن العميد لم يتوانَ عن تصوير الجيش اللبناني كقوة إقليمية “تخشاها إسرائيل”، زاعمًا أن طائرات العدو لا تجرؤ على التحليق فوق بيروت، في مشهد يتنافى مع الحقائق اليومية التي توثقها المؤسسات اللبنانية والدولية، عن الخروقات الجوية الإسرائيلية شبه اليومية للسيادة اللبنانية.

وما كان لافتًا في تحليله أنه حاول إظهار الجزائر كدولة مثقلة بالمشاكل الدبلوماسية، مستحضرًا على وجه الخصوص علاقاتها مع المروك، دون أن يُشير إلى أن قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المروك كان خيارًا سياديًا معلنًا، مبرّرًا بسلسلة من الأحداث والتجاوزات، لا مجرد “مشكلة” عابرة كما أراد أن يصورها.

بهذا الخطاب، ينضم خالد حمادة إلى مجموعة من الأصوات التي تصدّرت المشهد الإعلامي العربي، والتي تُطل علينا باستمرار من شاشات مثل “فرانس 24” وغيرها، لتكرّر نفس الأسطوانة المتعالية، وتنصّب نفسها وصية على القرار العربي.

لكن ما قاله حمادة هذه المرة، لا يمكن تجاهله. لقد كشف، من حيث لا يدري، ما يُقال في الكواليس. كشف طريقة التفكير التي لا ترى في الجزائر سوى “دولة هامشية”، ينبغي تجاهلها أو تحجيمها، رغم كل ما قدّمته وتقدّمه على الساحة العربية والدولية.

والأمثلة على هذا الجحود كثيرة. أتذكّر جيدًا سفيرة فلسطينية سابقة، وكان أحد رموز الجزائر، المرحوم محمد يزيد، من الذين ساعدوها شخصيًا. لكنها عندما ظهرت على قناة فرنسية لتشكر الدول التي تدعم فلسطين، تجاهلت ذكر الجزائر تمامًا. وهو ما لم يكن سهوًا ولا زلّة لسان، بل موقفًا مقصودًا يُعبّر عن تيار كامل من النكران والجحود.

لقد طالبنا مرارًا وتكرارًا المسؤولين الجزائريين أن يُخرجوا العاطفة من التعامل مع الدول العربية، خاصة بعض المشارقة الذين أثبتت الأيام أنهم لا يحملون في قلوبهم ودًا حقيقيًا للجزائر. وها هو العميد حمادة، دون أن يقصد، يؤكد لنا أننا كنا على حق.

الجزائري بطبعه طيب، ويؤمن بالوحدة والعمل العربي المشترك، ويساند الشعوب دون مقابل. لكن، من واجبنا الآن أن نعيد النظر. السياسة لا تُبنى على الطيبة فقط، بل على الندية والاحترام والمصالح المتبادلة.

نحن – أبناء الجزائر – نعرف تمامًا من نحترمه، ومن يستحق ثقتنا. لقد عرفنا الحقيقة عن كثب، خاصة من عاش منا في الخارج واحتك بأبناء “الأشقاء”. وعنصريتهم المقنعة، ونظرتهم الدونية، وخطاباتهم المليئة بالنفاق والمجاملات الفارغة، صارت معروفة وواضحة.

نعم، قالها الصحفي اللبناني سامي كليب ذات يوم، إن الجزائر دولة عظيمة، لكنه اليوم – ومع احترامنا له – لا يكفينا الكلام الطيب. لأن الحقيقة ظهرت، وبصوت عالٍ هذه المرة، على لسان جنرالكم المتقاعد.

شكرًا لك، أيها العميد، لأنك قلت ما تفكّرون فيه جميعًا. شكرًا لأنك كشفت القناع. وشكرًا لأنك أعطيتنا فرصة أخرى لنتحدث إلى ضمير هذا الشعب الجزائري الطيّب: افهموا جيدًا، من يحبكم ومن يكرهكم… ومن يتقن التصفيق لكم نهارًا، ثم يطعنكم مساءً باسم التحليل السياسي.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…