صنصال ليس ورقة مجانية… فهل تفهم باريس الرسالة؟
المؤكّد أن الرئيس الألماني فرانك شتاينماير لم يكن ليطلب من الرئيس تبون العفو عن السجين بوعلام صنصال من دون مشاورات مسبقة مع فرنسا، صاحبة القضية الأولى، والتي ترفض إلى اليوم الحديث عن تسليم المطلوبين للعدالة الجزائرية. وهي نقطة حسّاسة زادتها تعقيداً قضية ابتسام حملاوي التي انفجرت في توقيت دقيق للغاية بالنسبة للدبلوماسية الجزائرية، ومحاولة الإساءة للصورة العامة لمسار العدالة في مرحلة تتطلّب أعلى درجات الانضباط.
أزمتنا منذ تشكيل الحلف الفرنسي–المغربي–الصهيوني أصبحت أكثر هشاشة، فأي خطأ بسيط أو حادث عادي يحدث في الجزائر يتحوّل بسرعة إلى مادة للتضخيم والتدويل بهدف إحراج الجزائر على الساحة الدولية. طلب الرئيس الألماني من الرئيس تبون الإفراج عن صنصال يمكن أن يكون خطوة إيجابية فقط إذا كان جزءاً من مفاوضات تُدار عبر برلين، تقوم على مبدأ “لافارج” أي صفقة مقابل صفقة: الإفراج عن صنصال مقابل أن تعيد فرنسا بعض الأشخاص المطلوبين للقضاء الجزائري، وعلى رأسهم الوزير السابق للصناعة، ورئيس ديوان أويحيى سابقاً، والمتهمين في ملفات فساد ضخمة.
طلب الرئيس الألماني، الذي سبق أن وجّه دعوة رسمية للرئيس تبون للقيام بزيارة دولة إلى ألمانيا، في حال عدم وجود مشاورات مسبقة بشأنه، سيكون عملياً محرجاً. بل قد يبدو وكأنّ فرنسا تستعمل شريكها الأوروبي الأقرب للتدخل نيابة عنها في ملف صنصال، من دون أي اعتبار للطلبات الجزائرية. والحقيقة أن باريس تسعى للتخلّص من هذا الملف بأقل خسارة، لا بدافع إنساني ولا دبلوماسي، بل لربح معركة سياسية داخلية، والأهم العودة بقوة لبيع منتجاتها الفلاحية إلى الجزائر، والاستفادة من السوق الجزائرية التي حرمتها منها السنوات الماضية، بما قيمته مليارات أنعشت اقتصادات منافسة. التحرك الفرنسي اليوم نحو “حلحلة” العلاقات مع الجزائر يأتي بعد فشل ذريع لسياسة المواجهة والاستعداء، التي وصلت إلى طريق مسدود بالكامل.
إطلاق سراح الكاتب بوعلام صنصال لا يعارضه أحد من منظور إنساني داخل الجزائر، لكن الإشكال يكمن في الصفقة التي تريدها فرنسا، والتي لا يجب أن تكون على حساب المصالح الاستراتيجية للدولة الجزائرية، خاصة بعد ما رأيناه في قضية المقايضة بين بلجيكا وإيران. فالدبلوماسي الإيراني أسد الله الأسدي، الذي أدين في محكمة أنفرس بـ20 سنة سجناً بعد إدانته بالتخطيط لتفجير تجمع للمعارضة الإيرانية في باريس، تم إطلاق سراحه بموجب صفقة تبادل مقابل تحرير سجين بلجيكي في طهران. هذا النموذج يؤكد أن الدول لا تتنازل مجاناً، وأن المقايضات أصبحت جزءاً من هندسة العلاقات الدولية.
إذا كانت فرنسا تريد فعلاً التفاوض مع الجزائر عبر ألمانيا، فأهلاً بكل تفاوض يضمن مصالح الطرفين. لكن يجب أن يكون الحل عادلاً، واضحاً، ومبنياً على توازن المصالح، لا أن يُقدَّم على حساب الطرف الجزائري الذي يطالب بعدة أسماء للمثول أمام القضاء، ومن حقّه أن يحصل عليها وفق ما تمليه السيادة والقانون، لا وفق ما تفرضه الحسابات السياسية في باريس.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تصويت الجزائر في مجلس الأمن… منطق الدولة ينتصر
تعالت أصواتٌ عديدة تندّد بتصويت الجزائر لصالح المشروع الأميركي المتعلق بغزة، معتبرة أنّ ال…







