‫الرئيسية‬ الأولى قطاع المناجم: ثروة نائمة… آن أوان استغلالها
الأولى - الوطني - مقالات - 30 يوليو، 2025

قطاع المناجم: ثروة نائمة… آن أوان استغلالها

ثروة نائمة… آن أوان استغلالها
صادق البرلمان الجزائري على القانون الجديد المتعلق بالمناجم، والذي يُعدّ من أبرز النصوص التشريعية التي جاءت ضمن خطة الدولة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، والتحرر التدريجي من التبعية المطلقة لعائدات المحروقات. القانون يُمهّد الطريق لإحياء قطاع بقي لسنوات طويلة في حالة سبات شبه تام، إذ لا تتجاوز مساهمته في الناتج الداخلي الخام نسبة 1%، بحسب بيانات البنك العالمي (2022)، رغم أن الجزائر تُعدّ من أغنى الدول الإفريقية من حيث الموارد المنجمية.
الدكتو سفيان بوڨرة
الدكتو سفيان بوڨرة

تضم الجزائر أكثر من 1,000 موقع منجمي، موزعة على 44 ولاية، وتشمل معادن حيوية مثل الحديد (غار جبيلات)، الذهب (منجما تييريت وأمززير قرب تمنراست)، الزنك، الرصاص، النحاس، الفوسفات، إضافة إلى الموارد الاستراتيجية مثل الليثيوم والمعادن النادرة. وعلى سبيل المثال، يُقدّر احتياطي الحديد في غار جبيلات بـ3.5 مليار طن، حسب أرقام وزارة الطاقة والمناجم، وهو مشروع أعيد إطلاقه رسميًا في 2022 بشراكة جزائرية-صينية. كذلك، تملك الجزائر رابع أكبر احتياطي من الفوسفات في العالم (بأكثر من 3 مليارات طن وفقًا لوكالة USGS الأمريكية)، ورغم ذلك، لا تزال صادراته محدودة، ما يبرز الحاجة الماسة إلى تطوير الإطار التشريعي للاستغلال.

القانون الجديد يُحدث قطيعة مع المقاربة القديمة التي كانت تُعرقل الاستثمار بسبب القيود البيروقراطية وثنائية الغموض القانوني وضعف الجاذبية المالية. من أبرز ما جاء به، إلغاء قاعدة 49/51 في معظم المشاريع، مما يتيح للمستثمرين الأجانب امتلاك ما يصل إلى 80% من رأسمال الشركات المنجمية، باستثناء القطاعات الاستراتيجية التي تظل خاضعة لضوابط خاصة. كما ينص القانون على إمكانية منح امتيازات استغلال تصل إلى 30 عامًا قابلة للتجديد، مع ضمان مشاركة الدولة بنسبة لا تقل عن 20%، غير قابلة للتنازل. وقد تم إنشاء شباك رقمي موحد لتقليص آجال الإجراءات وتسهيل وصول المستثمرين للمعلومة، مع إمكانية تحويل وتنازل عن التراخيص لتسهيل التمويل.

هذا التوجه الجديد لا يأتي من فراغ. فالجزائر، ورغم احتياطاتها الضخمة، لا تملك بمفردها – على المدى القصير – التكنولوجيا المتطورة ولا الخبرة الصناعية ولا حتى التمويلات الكافية لتحويل هذا القطاع إلى رافعة اقتصادية. وحسب تقرير البنك الإفريقي للتنمية (2023)، فإن متوسط تكلفة تطوير منجم حديث مع بنيته التحتية يمكن أن يتجاوز 1.5 مليار دولار، وهو مبلغ يصعب تعبئته داخليًا دون اللجوء إلى شراكات خارجية.

الانتقادات التي طالت القانون، خصوصًا من بعض التشكيلات السياسية كحزب العمال أو جيل جديد،وحتى الارسيدي، تركزت على المخاوف من فقدان السيادة على الثروات، أو من استئثار الشركات الأجنبية بالأرباح. لكن هذه المخاوف تبقى مشروعة نظريًا فقط، لأن القانون يتضمن آليات واضحة لضمان مصلحة الدولة، من خلال مشاركة غير قابلة للتخفيض، وفرض ضرائب ورسوم، وأولوية في التوظيف المحلي، بالإضافة إلى قابلية مراجعة الامتيازات في حال الإخلال بالالتزامات. كما أن نظام الامتياز، من الناحية القانونية، لا يعني بيعًا للمنجم، بل عقدًا يضمن بقاء ملكية المورد تحت سيادة الدولة، مع تحديد شروط ومراقبة الاستغلال.

الأهم من ذلك، أن التجارب الدولية أثبتت أن الشراكة الذكية قادرة على خلق القيمة المضافة. فعلى سبيل المثال، تمكنت ناميبيا من فرض تحويل محلي جزئي في قطاع الماس، ما أدى إلى بناء صناعة متكاملة للتقطيع والتلميع، زادت من عوائد الدولة وخلقت مناصب شغل نوعية. ويمكن للجزائر أن تحذو نفس النهج، إذا ما ربطت الاستثمار بالتصنيع المحلي ونقل التكنولوجيا.

القانون الجديد لا يُقدم نفسه كعصا سحرية، بل كإطار قانوني مرن وعقلاني لتحريك عجلة الاستثمار في قطاع مهمش. النجاح لن يكون مضمونًا إلا إذا اقترن بتنفيذ فعلي على الأرض، ووجود مؤسسات رقابية قوية، والتزام شفاف من قبل الفاعلين العموميين والخواص. يجب أيضًا ألا يُنظر إلى هذا القانون بشكل معزول، بل ضمن رؤية اقتصادية وطنية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار خلق سلاسل قيمة صناعية، بناء القدرات البشرية، وضمان استدامة الاستغلال.

إن إعادة بعث قطاع المناجم ليست ترفًا، بل ضرورة وطنية. والتحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم تُحتم على الجزائر تسريع وتيرة الإصلاح، والتموقع بقوة كمصدر للمواد الأولية الاستراتيجية في السوق العالمية. القانون الجديد هو خطوة أولى في هذا الاتجاه. ما تبقى هو مسؤولية التنفيذ والتأطير، وبناء الثقة بين الدولة والمستثمر، وبين الثروة الوطنية والمواطن.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

نموذج معلومات البناء (BIM): رافعة التحول العميق في الجزائر بين الطموح والضرورة

تشهد الجزائر  طفرة في الطموحات العمرانية والطاقوية، تُوّجت بإطلاق مشاريع استراتيجية كبرى ف…