كريستوفر روس: قرار مجلس الأمن خطوة إلى الوراء…
اعتبر الدبلوماسي الأمريكي المخضرم كريستوفر روس — الذي خدم لأكثر من عشرين عامًا في شمال إفريقيا وشغل مناصب دبلوماسية في طرابلس وفاس والجزائر ضمن وزارة الخارجية الأمريكية، قبل أن يُعيَّن مبعوثًا شخصيًا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية — أن القرار الذي اعتمده مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025 حول نزاع الصحراء الغربية ليس سوى خطوة إلى الوراء، رغم ما يحاول مؤيدوه تقديمه كدفعة جديدة لمسار التسوية. فبالنسبة إليه، فإن هذا القرار لم يضف شيئًا جوهريًا على مسار امتد لعقود، بل زاد من حدة التوتر وعمّق الانقسام بدل الدفع نحو حل سياسي حقيقي يضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي كما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة منذ عام 2007.
ويذكّر روس بأن مجلس الأمن ظل طوال السنوات الماضية يكتفي بدعوات عامة إلى “حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يضمن حق تقرير المصير”، دون أي تفصيل يوجه العملية التفاوضية نحو نتيجة واضحة. لكن التطور الأخطر في القرار الأخير كان محاولة الولايات المتحدة — بصفتها صاحبة القلم — دفع النص في اتجاه يتماشى مع الاعتراف الذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الإقليم في ديسمبر 2020. فالمسودة الأولى للقرار دعت الأطراف إلى التفاوض انطلاقًا من مقترح الحكم الذاتي المغربي داخل إطار “السيادة المغربية”، ووصفت هذا المقترح بأنه “الحل الأكثر قابلية للتطبيق”. ورغم إعادة التذكير بمبدأ تقرير المصير، فإن النص تجاهل بالكامل مقترح جبهة البوليساريو الذي ينص على تنظيم استفتاء يتضمن خيار الاستقلال، وهو جوهر الصراع منذ اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991.
هذه المسودة أثارت اعتراضات واسعة داخل المجلس؛ فقد اعتبرت روسيا أن واشنطن تحاول تمرير موقفها الوطني من خلال قرار أممي، بينما رأت عدة دول أن النص غير متوازن ويميل بشكل واضح لصالح الرباط، فضلًا عن رفض تقليص ولاية المينورسو من عام إلى ستة أشهر، وهو ما اعتُبر إضعافًا خطيرًا لقدرة البعثة على مراقبة وقف إطلاق النار وتوثيق التطورات في منطقة تشهد منذ نهاية 2020 حالة “لاحرب ولاسلم”. الجزائر بدورها رفضت حذف أي إشارة لمقترح البوليساريو، في حين تمسكت الجبهة خارج المجلس بأن القرار لا يمكن أن يكون ذا مصداقية إذا تجاهل أحد طرفي النزاع الأساسيين.
وأمام الضغط، اضطرت واشنطن إلى تقديم تنازلات شكلية؛ فتم تغيير وصف المقترح المغربي ليصبح “أحد أكثر الحلول قابلية للتطبيق”، كما تم الحفاظ على تجديد ولاية المينورسو لمدة عام كامل. ومع هذه التعديلات وُفِّر غطاء سياسي يتيح تمرير القرار دون استخدام حق النقض، فحصل على دعم الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وثمانية أعضاء غير دائمين، بينما امتنعت روسيا والصين وباكستان، ولم تشارك الجزائر في التصويت. أما المندوب الروسي الدائم، فاختتم جلسة التصويت بتصريح ساخر قال فيه إنه يأمل ألا تؤدي “الاندفاعة الكاوبوية الأمريكية” إلى تأجيج الوضع في المنطقة بدل تهدئته.
ورغم إشارة القرار إلى تقدير المجلس لمبادرة المبعوث الشخصي وعرض الولايات المتحدة استضافة مفاوضات جديدة، فإن روس يشدد على أن الواقع لا يبشر بإمكانية حدوث تقدم. فمواقف الأطراف الأساسية لا تزال ثابتة: المغرب يواصل ترسيخ سياسة الأمر الواقع في الإقليم عبر الاستثمار في موارده الطبيعية وتشجيع الاستيطان وتعزيز وجوده الإداري والعسكري، ويشارك في اجتماعات شكلية دون استعداد للدخول في مفاوضات حقيقية تتضمن خيار الاستقلال. في المقابل، ترى جبهة البوليساريو أنها تستند إلى شرعية قانونية صلبة، بدءًا من رأي محكمة العدل الدولية سنة 1975 وصولًا إلى أحكام محكمة العدل الأوروبية التي اعتبرت الصحراء الغربية إقليمًا منفصلًا عن المغرب، وهي مقتنعة بأن الإقليم قادر على الاستقلال بفضل موارده الغنية من الفوسفات والصيد البحري والمعادن والسياحة. أما سكان المخيمات، فرغم قسوة حياتهم، يحتفظ الكثيرون منهم بقناعة راسخة بأن الكرامة أهم من الظروف المعيشية، كما عبّر أحد الطلبة الصحراويين لروس ذات يوم بقوله: “رغم قسوة الحياة هنا، فهي أفضل من تقبيل يد الملك.”
أما الجزائر، التي تمثل عنصرًا أساسيًا في المعادلة، فموقفها ثابت لاعتبارات تتجاوز مجرد دعمها للبوليساريو. فهي تعتبر القضية امتدادًا لتاريخها التحرري ومبادئها في دعم حق تقرير المصير، كما ترى في أي مساس بالوضع القانوني للصحراء تهديدًا مباشرًا لأمنها الإقليمي، خاصة في ظل الخطاب المغربي المتكرر حول “الصحراء الشرقية”. إضافة إلى ذلك، فإن التحالف المغربي الإسرائيلي العلني زاد من تصلب الموقف الجزائري، وفاقم تنافسًا إقليميًا قديمًا بين البلدين. ويستشهد روس بمقولة تُنسب إلى الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين قال فيها: “سأجعل الصحراء حجرًا في حذاء المغرب”، ليشرح خلفيات التوتر الجيوسياسي العميق بين الجارين.
ويرى روس أن مجلس الأمن، وسط هذا الانقسام، لم يعد قادرًا على فعل الكثير سوى إعلان دعمه للمبعوث الشخصي، وأن بعض الدول — خصوصًا تلك التي تتبنى القراءة المغربية — تعتقد أن المجلس قادر على دفع البوليساريو والجزائر نحو قبول مقترح الحكم الذاتي. لكن روس يعتبر هذا الرهان بعيدًا عن الواقع، لأن الجزائر ليست من الدول التي تستجيب للضغوط أو لصفقات سياسية، بل تعتمد مقاربة مبدئية لا تسمح لها بقبول أي حل يتجاهل حق تقرير المصير.
وفي نظره، لا يمكن التعويل على مفاوضات تقودها واشنطن إذا كانت تنوي تحقيق “صفقة” تضيفها إلى سجلها الدبلوماسي، لأن الأطراف ليست في مزاج يسمح بتقديم تنازلات أو مراجعة مواقفها. وهكذا سيظل الجمود سيد الموقف ما لم يتغير السياق الإقليمي أو الدولي بشكل عميق.
ورغم هذا التشخيص المتشائم، يرى روس أن بعض المسارات بعيدة المدى يمكن العمل عليها، منها إشراك الأجيال الشابة من المغرب والجزائر والصحراء الغربية في مبادرات ثقافية وتعليمية قد تسهم في كسر الحواجز النفسية، وإيجاد آليات فعلية لمشاركة الصحراويين أنفسهم — في المخيمات وداخل الإقليم — في تحديد مستقبلهم السياسي، لأن أي اتفاق يتم فرضه “من فوق رؤوسهم” لن يكون قابلًا للاستمرار. كما يؤكد ضرورة التفكير في ضمانات دولية ترافق أي اتفاق محتمل، لتبديد انعدام الثقة المتبادل الذي يعيق أي تقدم.
ويخلص روس إلى أن نزاع الصحراء الغربية، ومعه التوتر المغربي الجزائري، يشكلان خطرًا حقيقيًا على الاستقرار الإقليمي إذا تُركا دون إدارة فعّالة. وفيما تواصل بعثة المينورسو لعب دورها المحدود ولكن الضروري، يبدو مجلس الأمن — بعد تبنيه الواضح للمقاربة المغربية — أبعد من أي وقت مضى عن لعب دور الوسيط النزيه القادر على إطلاق مسار يؤدي إلى حل عادل ودائم يضمن للشعب الصحراوي حقه الكامل في تقرير مصيره.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
محاكمة “لافارج”: شهادات تكشف بالتفصيل شبكة القرارات التي قادت إلى تمويل “داعش” في سوريا
تواصلت في باريس جلسات المحاكمة التاريخية التي يُحاكم فيها عملاق الإسمنت الفرنسي لافارج بته…







