‫الرئيسية‬ الأولى موجة غضب جزائرية ضد سياسة ريتايو “العدائية”
الأولى - الوطني - 25 يوليو، 2025

موجة غضب جزائرية ضد سياسة ريتايو “العدائية”

موجة غضب جزائرية ضد سياسة ريتايو "العدائية"
أعلنت وزارة الشؤون الخارجية في الجزائر، رفضها القاطع للقرار الصادر عن الحكومة الفرنسية والذي يقضي بفرض قيود على تنقّل عدد من المسؤولين الرسميين الجزائريين داخل فرنسا. الجزائر وصفت الإجراء بـ”الخرق السافر لأعراف الدبلوماسية الدولية”، مشيرة إلى أنها تحتفظ بحقها في اللجوء إلى المسارات القانونية الدولية، بما فيها اللجوء إلى الأمم المتحدة.

ويأتي هذا القرار الفرنسي كرد فعل على رفض الجزائر استقبال 120 من رعاياها المقيمين بصفة غير نظامية على الأراضي الفرنسية، ممن صدرت بحقهم أوامر مغادرة (OQTF). إلا أن المسألة، كما يراها متابعون، تتجاوز البعد الإداري المعتاد لمثل هذه القضايا، إذ تُثار تساؤلات جدية بشأن مدى احترام فرنسا للضمانات القانونية التي يُفترض أن يتمتع بها هؤلاء الأفراد، لا سيما ما يتعلق بحقهم في الطعن على قرارات الترحيل. فالعديد من المنظمات الحقوقية سبق أن نبهت إلى أن قرارات الطرد تُنفذ غالبًا دون تمكين المعنيين من الدفاع عن أنفسهم، في غياب الشفافية والإجراءات القضائية الكافية، ما يجعلها عرضة لوصفها بالتعسف.

الإجراء الفرنسي، الذي أعلن عنه وزير الداخلية برونو ريتايو، اتخذ طابعًا أحاديًا، وأثار حفيظة الجزائر ليس فقط من حيث مضمونه، بل من حيث شكله أيضًا، إذ تم الإعلان عنه دون تنسيق مع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، كما لم تُقدَّم أي إشعارات رسمية للجانب الجزائري، خلافًا لما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية المتبعة. ووفقًا لبيان الخارجية الجزائرية، فإن القرار “ألحق ضررًا فعليًا بسير البعثة الدبلوماسية الجزائرية في باريس”، وهو ما اعتُبر تجاوزًا لخطوط التعامل الدبلوماسي المتعارف عليه دوليًا.

رد الجزائر جاء سريعًا وحازمًا، إذ أعلنت أنها ستطبق مبدأ المعاملة بالمثل دون تأخير، وهو ما قد يفتح الباب أمام اتخاذ إجراءات مقابلة تمس بعناصر من التمثيل الدبلوماسي الفرنسي لديها، في سابقة قد تزيد من تعقيد المشهد السياسي بين البلدين.

اللافت في هذا التطور أن الخطوة الفرنسية صدرت عن وزارة الداخلية، في غياب تنسيق داخلي واضح بين الوزارات المعنية بالشؤون الدبلوماسية، ما يعكس – وفق مراقبين – تناقضًا في المواقف داخل الإدارة الفرنسية نفسها، وربما ارتباكًا سياسيًا في إدارة العلاقة مع الجزائر.

توقيت هذا التصعيد يثير بدوره تساؤلات. ففرنسا تعيش أجواءً داخلية مشحونة سياسيًا، تشهد فيها الحكومة ضغطًا متزايدًا من التيارات اليمينية المتطرفة، ما يدفع بعض الوزراء، وعلى رأسهم برونو ريتايو، إلى تبني خطاب أكثر صرامة تجاه ملفات الهجرة والعلاقات مع شمال إفريقيا، وعلى وجه الخصوص الجزائر. ويبدو أن هذا التحول لم يعد يقتصر على الجدل الإعلامي والسياسي، بل أصبح يترجم إلى قرارات تنفيذية تمس صلب العلاقات الثنائية.

الجزائر، من جهتها، لا تبدو في وارد القبول بإملاءات أحادية أو تحميلها مسؤوليات سياسية لا تخضع لمنطق التفاهم المتبادل. ومنذ سنوات، تحاول الجزائر ترسيخ نمط من العلاقة يقوم على الندية، ويبتعد عن منطق الهيمنة أو الوصاية، وهو ما يظهر بوضوح في تعاطيها مع أزمات سابقة، سواء في ملف التأشيرات أو الذاكرة التاريخية أو الطاقة.

وفي خضم هذا التوتر، أقدمت الجزائر على التواصل المباشر مع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية لطلب توضيحات، في مسعى للتمييز بين القرار الإداري الصادر عن وزارة الداخلية، والموقف الدبلوماسي الرسمي للدولة الفرنسية، ما يدل على بأن الجزائر تحرص – رغم موقفها الحازم – على تجنب القطيعة الكاملة، وتفضل إبقاء قنوات الحوار مفتوحة.

لكن التحدي الحقيقي يتمثل في قدرة باريس على ضبط رسائلها الداخلية وتوحيد خطابها الخارجي، بما يمنع تكرار قرارات فردية تنسف جهودًا سياسية طويلة لإعادة بناء الثقة بين الجانبين. فالأزمة الحالية لا تأتي في فراغ، بل في ظل مسار كان يتجه – حتى وقت قريب – نحو تطبيع تدريجي للعلاقات، تجلى في زيارات رسمية وتوقيع اتفاقيات شراكة استراتيجية في مجالات متعددة، منها الطاقة والتعليم العالي والتكنولوجيا النظيفة.

ما يجري اليوم يعيد إلى الواجهة هشاشة العلاقة بين الجزائر وفرنسا، ويعكس استمرار صراع غير معلن بين رؤية جزائرية تطالب بالاحترام المتبادل والسيادة الكاملة، ورؤية فرنسية – أو على الأقل جزء منها – لا تزال تتعاطى مع الجزائر بمنطق فوقي أو نفعي ظرفي. وفي هذه المعادلة، يبقى التوتر مرشحًا للتصعيد ما لم تتحرك القيادة الفرنسية بشكل واضح لضبط الخطاب الرسمي وتقديم إشارات حقيقية على احترامها للشريك الجزائري.

في المحصلة، الكرة الآن في ملعب باريس. إما أن تتدارك الموقف وتفتح باب التهدئة، أو أن تمضي في سياسة التصعيد، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على ملفات استراتيجية تتجاوز العلاقات الثنائية لتشمل الأمن الإقليمي والتعاون المتوسطي ومستقبل الشراكة الأوروبية الإفريقية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

صناعة السيارات: الحكومة تشدد القواعد

أكد وزير الصناعة، يحيى بشير، اليوم الخميس، أن الجزائر دخلت مرحلة حاسمة في مسار إعادة بناء …