نحن وحرب إسرائيل الوجودية
دخلت المنطقة فصلًا جديدًا من فصول الصراع بين أهل الأرض ومن وفد إليها مغتصبًا مستوطنًا، مستندًا إلى فلسفة هوبز في التركيز على حق القوة، المدعوم غربيًا منذ عام 1947، تجسيدًا لنظرية التحالف الثلاثي، الأيديولوجية الاستعمارية، الإنجيليون، وتفوق العرق الأبيض، التي سادت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لتتجلى بصورة أوضح مع صعود المحافظين الجدد منذ سبعينيات القرن الماضي، من خلال فلسفة الأب الروحي للنظرية إرفينغ كريستول، ومحورية السياسة الخارجية التي تضع أمن إسرائيل وأولويته فوق أمن الولايات المتحدة الأمريكية.
على النقيض من ذلك، تقف فلسفة قوة الحق التي تشكل أساس عقيدة أصحاب الأرض، وفهم علاقة الإنسان بها وقدسيتها في وجدان الشعوب، وارتباطها بالهوية، وهي الفلسفة التي غذّتها دوامة العنف الناتجة عن الصراعات الأيديولوجية والعرقية خلال القرون الماضية، والتي انتهت بحربين عالميتين. هذا الواقع دفع مجموعة من الفلاسفة الغربيين — مثل يورغن هابرماس ونظريته (الكوكبة ما بعد القومية)، وإيمانويل كانط ونظرية (المواطنة العالمية)، وفرانز فانون الذي وقف إلى جانب الثورة الجزائرية — إلى تقديم مقاربات بديلة للخروج من دوامة العنف وبناء جسور التواصل بين الشعوب، دون الغوص بعيدًا في خلفيات المشروع الأيديولوجية والجيوسياسية.
نقف عند هذه النقطة لنستأنف من عهدة ترامب الأولى، التي دشنت باتفاقات أبراهام، وهي الجزء الأول من الفصل الأخير لمشروع أكبر وأشمل، جاء لترسيخ هيمنة إسرائيل كقوة وحيدة في الشرق الأوسط، مع ضرورة إزاحة كل الحضارات والمشاريع المناهضة لفكرة “الشرق الأوسط الجديد”. بدأت ملامح هذا المشروع مع تصريح كونداليزا رايس بعد حرب أفغانستان والعراق، ثم جاءت نسخته المحدثة في شكل “الربيع العربي”، وصولًا إلى المنعطف الحالي، حيث سلّمت الدول المطبّعة العصمة السياسية والاقتصادية إلى تل أبيب، في صيغة حكم ذاتي غير معلن مركزه إسرائيل، بينما تلعب هذه الدول دور الأذرع الإقليمية لصالح المركز.
هذا يفسر الدور المشبوه الذي تلعبه الإمارات في المنطقة، وكيف أدّت دورًا قذرًا في زعزعة استقرارها ودعم الاقتتال الداخلي بين دولها. ومن جهة أخرى، يتسارع دعم حلفاء إسرائيل، من غربيين وعرب، لمشروع “الحكم الذاتي” للصحراويين تحت غطاء نظام المخزن، باعتباره امتدادًا عضويًا لإسرائيل في المنطقة عامة وشمال إفريقيا خاصة، في مشهد يتشكل اليوم في الشرق الأوسط، بغض النظر عن نتيجة حربهم المتعرجة ضد إيران والمنطقة.
أما الشعوب، فهي المركز الحقيقي لهذا الصراع، وهي التي ترفض الاحتلال والهيمنة الصهيونية على مقدرات الأمة من شرقها إلى غربها. بالنسبة لها، المعركة هي معركة الدين والتاريخ والأرض والعِرض والهوية. أما بالنسبة لإسرائيل، فهي تختزلها في معركة وجود، بصفتها آخر من التحق بركب “التاريخ والجغرافيا” وما يحمله ذلك من دلالات، تحت شعار “الشرق الأوسط الجديد”، مركزه إسرائيل والبقية توابع.
وأمام هذا التحول الدراماتيكي وتداخل المسارات، تتفاعل قضية الشعب الصحراوي العادلة لتجد نفسها في قلب هذا المشهد المرتبك، دون أن نغفل المسار الرئيسي للقضية كتصفية استعمار، تستند إلى قاعدة قانونية صلبة وزخم جيوستراتيجي-اقتصادي، متوازيًا مع جبهة عسكرية مفتوحة حضرت بقوة في الآونة الأخيرة.
فهل يمكن اعتبار مشروع ما يسمى “الحكم الذاتي” الذي تحاول فرنسا فرضه اليوم على الشعب الصحراوي، عبر أدوات مخزنية، إلا مظهرًا من مظاهر المشروع الإسرائيلي الأكبر؟ والحديث قياس.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
نحن وحرب إسرائيل الوجودية
دخلت المنطقة فصلًا آخر من فصول الصراع بين أهل الأرض، ومن قَدِم إليها مغتصبًا مستوطنًا، مرا…


