‫الرئيسية‬ الأولى هل يعلن ترامب الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟
الأولى - الدولي - مقالات - 11 مايو، 2025

هل يعلن ترامب الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

هل يعلن ترامب الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟
تشهد العلاقات بين الرئيس الأمريكي السابق والحالي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توترًا غير مسبوق. فالأزمة بين الطرفين لم تصل في أي وقت مضى إلى هذا المستوى من الشنآن والقطيعة، حيث باتت الخلافات العميقة تطفو على السطح في أكثر من ملف إقليمي ودولي، وعلى رأسها غزة، إيران، والحوثيون في اليمن، وصولًا إلى العلاقات في الخليج.

الملفت في المشهد الحالي هو أن ترامب يتفاوض مع إيران دون أخذ الموقف الإسرائيلي بعين الاعتبار، ويتعامل مع الحوثيين دون الرجوع إلى تل أبيب، وهو ما يراه نتنياهو “خيانة” للمصالح الاستراتيجية لإسرائيل، واصفًا ترامب بأنه يضع مصالحه الانتخابية والشخصية فوق أمن إسرائيل.

آخر زيارة لنتنياهو إلى واشنطن كانت، بحسب مصادر مطلعة، “كارثية” بكل المقاييس، إذ تخللتها خلافات حادة وصدامات في وجهات النظر. وقد ازدادت الشكوك في نوايا ترامب مع تسريبات إعلامية أمريكية متزايدة خلال الأيام الأخيرة تشير إلى احتمال إقدامه على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في خطوة تهدف لدعم حل الدولتين.

المثير للاهتمام أن ترامب أجرى في بداية ولايته الجديدة اتصالًا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطوة فُسّرت على أنها مؤشر لإعادة فتح قنوات التواصل الرسمية بين واشنطن ورام الله، وربما تمهيدًا لتحول كبير في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية.

من جهة أخرى، يُلاحظ أن ترامب تراجع عن شرط أساسي كان مفروضًا على السعودية، وهو ضرورة الاعتراف بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية” وتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل حصولها على التكنولوجيا النووية السلمية وتعزيز التعاون العسكري. هذا التراجع يعكس تحولًا واضحًا في المقاربة الأمريكية، حيث جرى فصل المصالح الأمريكية عن الإملاءات الإسرائيلية لأول مرة منذ عقود، وذلك في ظل ضغوط اقتصادية ومالية خانقة تمر بها الولايات المتحدة نتيجة السياسات الحمائية، خاصة تلك المتعلقة بالرسوم الجمركية المرتفعة التي أثارت توترات تجارية مع عدة دول.

يُطرح هنا سؤال جوهري: هل بدأت أمريكا تتحرر فعليًا من قبضة اللوبي الإسرائيلي؟ الجواب ليس سهلاً ولا يمكن إعطاء حكم قطعي في هذه المرحلة، فقد تكون تصرفات ترامب جزءًا من مناورة مؤقتة تهدف إلى الخروج من عنق الزجاجة التي وضعت فيها أمريكا نفسها بسبب قرارات اقتصادية غير مدروسة، لا سيما في ما يخص الصين.

فبسبب التصعيد مع بكين، تكبّد الاقتصاد الأمريكي خسائر فادحة، بينما استفادت الصين من الوضع ووسّعت آفاقها الاقتصادية بعيدًا عن التعاملات الأمريكية. بل وتمكنت من إغلاق العديد من الثغرات التي كانت واشنطن تستغلها، لا سيما في مجال أشباه الموصلات والطيران المدني. واستطاعت الصين بالفعل أن تطوّر تكنولوجيا متقدمة في هذا المجال، وأنتجت شرائح متناهية الصغر (3 نانومتر وأقل)، موجهة بذلك ضربة موجعة لاحتكار الشركات الأمريكية.

أما على الصعيد العسكري، فقد أصبحت الصين تُنتج أسلحة فتاكة كفيلة بتغيير موازين القوى. لم تعد حاملات الطائرات الأمريكية آمنة في المحيط الهادئ، بل صارت توصف من قبل خبراء بأنها “قبور عائمة” لقوات البحرية الأمريكية، في حال نشوب صراع مباشر.

كل هذه التحولات دفعت وزير الخارجية الأمريكي إلى الاعتراف العلني بـبروز عالم متعدد الأقطاب، وهو تطور كبير في الخطاب السياسي الأمريكي، يُفهم على أنه إقرار ضمني بأن الهيمنة الأمريكية لم تعد كما كانت.

وفي خضم هذه التغيرات الجيوسياسية، يأتي إعلان ترامب المنتظر من السعودية، والذي قد يتضمن الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية ودعم حل الدولتين، كضربة موجعة للوبي اليهودي في أمريكا، وإشارة واضحة إلى تحرر تدريجي من سيطرة هذا التيار على القرار السياسي الأمريكي.

كما يمكن اعتبار هذا التحول، إذا تأكد، انتصارًا مهمًا للدبلوماسية الجزائرية التي ظلت تنادي منذ سنوات بضرورة اعتماد القانون الدولي كأساس للحل العادل للقضية الفلسطينية، ورفض الإملاءات السياسية التي تخدم مصالح ضيقة على حساب الأمن والسلام الدوليين.

وقد عبّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مناسبات عديدة عن تمسك الجزائر بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ودعا الدول الكبرى إلى تحكيم الضمير الدولي بدل الانحياز الأعمى. وإذا ما أقدم ترامب فعلًا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن هذا سيكون تتويجًا لجهود الجزائر في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وجهودها في إقناع القوى العظمى بتغليب القانون الدولي على الحسابات الجيوسياسية الضيقة.

ختامًا، الاعتراف المرتقب من ترامب – إن حدث – لن يكون مجرد تحول أمريكي في السياسة الخارجية، بل سيكون محطة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وقد يشكل بداية لحقبة جديدة تُفرض فيها إرادة القانون على منطق القوة


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر

تكثّف دوائر المخزن في المروك خلال الأسابيع الأخيرة حملاتها الإعلامية الممولة عبر مقالات مد…