وهم الحكم الذاتي… لماذا لن يهزم المغرب الشعب الصحراوي؟
لماذا ما يسمى بمشروع «الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية» لا يمكن أبدًا أن يكون حلاً للنزاع الصحراوي–المغربي؟ ولماذا لا يمكن للمغرب أن يهزم الشعب الصحراوي؟ وأخيرًا، لماذا سيفقد المغرب سيادته الوطنية جراء جريه العبثي وراء وهم البحث عن سيادة مستحيلة على الصحراء الغربية؟
سنستعرض تباعًا هذه المواضيع الثلاثة.
أولًا: المشروع المغربي للحكم الذاتي لا يمكن أن يكون حلاً
بالفعل، لا يمكن للمقترح المغربي المعروف باسم الحكم الذاتي أن يكون حلاً؛ لأنه أولًا لن يحصل على موافقة الشعب الصحراوي، وبذلك فهو ليس حلاً توافقياً. وثانيًا، ليس حلاً واقعياً، لأنه مجرد تشريع للاحتلال المغربي غير الشرعي ويتناقض مع الطبيعة القانونية للقضية الصحراوية ويخرق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وثالثًا، لن يكون مقبولًا لأنه يشترط الاستسلام على الشعب الصحراوي ويطلب أن يسلم الطرف الصحراوي مسبقًا للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية—وهو شيء لن يحصل حتى ولو أشرقت الشمس من مغربها.
وتجدر الإشارة إلى أن هيئات المجتمع الدولي من منظمات ومحاكم دولية وإقليمية لا تعترف للمغرب بأية سيادة على الصحراء الغربية، وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد صادقت في دورتها الـ15 على اللائحة 1514 التي تضمنت تصريحها الخاص بمنح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة، وعزّزتها في نفس الدورة بالمصادقة على اللائحة 1541 التي حددت الخيارات الثلاثة التي يمنحها حق تقرير المصير لتلك الشعوب، وهي:
- الاستقلال.
- الانضمام إلى دولة مستقلة.
- الشراكة مع دولة مستقلة.
وإذا كان الحكم الذاتي يمكن أن يكون خيارًا ثالثًا إلى جانب خيارَي الاستقلال والانضمام في عملية استفتاء لتقرير المصير ديمقراطية وشفافة، فإنه لا يمكن أن يكون خيارًا وحيدًا ولن يُقبل أبداً أن يشكل قاعدة للمفاوضات.
خمسة عقود من الحرب والصمود أثبتت أن الشعب الصحراوي متمسّك بحقه الثابت وغير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير والاستقلال. قناعة الشعب الصحراوي بعدالة قضيته وإيمانه العميق بملكيته لأرض أجداده لا يساويهما إلا إيمانه بالله واليوم الآخر؛ ولذلك فالرهان على أن الصعوبات أو المخاطر أو الموت الفردي أو الجماعي سيغيران هذه القناعات يعدُّ خطأً فادحًا في التقدير—وهو وهْم أقرب إلى «فروسية دون كيخوطي دي لامنتشا».
وهكذا، فعندما تيقّن الحسن الثاني من هذه الحقيقة الصلبة عدل عن مشروع الضم بالقوة وحاول، بصفة شخصية ومباشرة مع الطرف الصحراوي أو عن طريق الوسطاء—ولعدة سنوات—إيجاد صيغة يضمن بها السيادة على الصحراء الغربية، مقترحًا حلاً يطلب فيه الحسن الثاني أن يُترك للمغرب «العلم والطابع البريدي». إلا أنه عندما تأكد من استحالة ذلك، بالإضافة إلى الكوارث التي ستنتج عن الاستمرار في الحرب على عرشه وعلى المغرب، قرر أن يتوجه إلى الاستفتاء باعتباره الحل الديمقراطي السلمي، الذي وصفته الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في مقدمة مخطط التسوية لسنة 1991 بأنه الحل «التوافقي والعملي والمعقول».
الحسن الثاني، الذي كان فعلاً يقود الحرب والدبلوماسية شخصيًا، قرر أن يُنتشل المغرب من مغامرة الصحراء الغربية التي لها مضاعفات كارثية، وأن ينقذ عرشه بعد أن حقق هدفه الأول المتمثل في إبعاد الجيش عن دفة الحكم إثر محاولتي انقلاب، وبعد أن تيسّر له أيضًا تحقيق هدفه الثاني من خلال القضاء على المعارضة الداخلية وسحب البساط من تحت أقدامها وتدجينها إلى درجة ضمّ أحزابها ونقاباتها إلى صف الأحزاب الإدارية الموالية للقصر والمصنوعة في إدارات وزارة الداخلية عندما اختلق لها وظيفة ملكية تحت شعار «حكومة التناوب».
توجه الحسن الثاني للاستفتاء كحل توافقي مطابق للشرعية الدولية، وأدلى بتصريحاته المشهورة التي مفادها أنه سيقبل بنتيجته حتى لو كانت الاستقلال، وأنه إذا حصل ذلك سيكون المغرب «أول من يفتح سفارته في المدينة التي يختارها الصحراويون أن تكون عاصمة لهم». ذلك يدل على أن الرجل، المعروف بذكائه وقدرته الفائقة على الاستشراف واتخاذ القرارات الصعبة، قد قيَّم بما يكفي كل السيناريوهات المحتملة وحلَّل جيدًا نسب احتمالات تطبيقها وتأثير نتائجها قبل أن يتخذ الموقف النهائي المتمثل في توقيع حكومته على مخطط التسوية سنة 1991.
رفض لجنة المينورسو لتحديد هوية الناخبين مشاركة المستوطنين المغاربة الذين تم ترحيلهم من المغرب إلى المدن الصحراوية المحتلة في عملية الاستفتاء لم يغيّر من موقف الحسن الثاني، الذي تأكّد أن خلاص عرشه وسلامة المغرب يقتضيان الخروج بأقلّ الأضرار ووقف فاتورة الحرب التي زادت المغاربة فقرًا وجوعًا، وأن إنهاء مغامرة التوسع والعدوان وفتح صفحة سلام مع الجمهورية الصحراوية له انعكاسات إيجابية على التعاون والتكامل بين شعوب المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد وفاة الحسن الثاني ومغادرة رجل ثقته ومساعده الأيمن إدريس البصري، الذي لجأ إلى فرنسا، صرّح هذا الأخير، عندما سمع أن محمد السادس وفريقه سيقدّمون مقترحًا لحل قضية الصحراء الغربية التي أنهكت المغرب وجعلته يقترب من السكتة القلبية، في مقابلة صحفية مشهورة: «من يقترح مشروعًا للحكم الذاتي لا يريد حلًّا لقضية الصحراء وإنما يريد خلق مشكل كبير للمغرب».
ثانيًا — لماذا لا يمكن للمغرب أن يهزم الشعب الصحراوي؟
لا يمكن للمغرب أن يربح السجال مع الشعب الصحراوي لأن استراتيجيته تعتمد في الأساس على عنصرين يعتقد أنهما كافيان لإحراز النصر: عامل الفارق الكبير في التعداد البشري (العامل الديموغرافي) وعامل تركيب المجتمع الصحراوي (القبائل).
وهنا لا بد أن نسجّل أن هذه الاستراتيجية المغربية مبنية على نظرة سطحية لا تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الحرب (حرب العصابات)، كما أنها تلغي عاملي الوعي والهوية والعلاقة الجدلية بين النوع والكم—وهي العوامل الحاسمة في مثل هذا النوع من الحروب.
فهِبةُ الشعب الصحراوي واندماجُه تحت لواء الجبهة الشعبية وتمسّكُه بالوحدة الوطنية واندفاع أبنائه إلى جبهات القتال تدلُّ على أن رهان المحتل المغربي المتمثّل في اللعب على التركيبة الاجتماعية أو العددية للشعب الصحراوي هو مراهنة مغلوطة تمامًا وخاسرة، لأن تمسّكه بحقوقه وحريته وهويته جزء من وجدانه ومن تركيبته النفسية والروحية.
وهكذا يظهر جليًا أن بعض حكام المغرب الجدد، من فريق محمد السادس، والذين يتولّون تسيير النظام باسمه، لم يفهموا أن نصف قرنًا من مقاومة الشعب الصحراوي وصمودَه يثبت أن هزيمته وإركاعه وهم خطير وخيال زائف وتقدير خاطئ—وأكثر من ذلك، إنه جزء من المستحيلات السبع.
ويبدو أن الاستنتاجات والاستخلاصات التي توصّل إليها الحسن الثاني بعد 16 سنة من الحرب لم يُقرأْها فريق محمد السادس قراءة صحيحة. ما هو إذن سر عدم إمكانية هزيمة الشعب الصحراوي من طرف المغرب؟
هناك أبعاد جوهرية وأسبابٌ هامّة تغيب عن المغرب كما كان الحال بالنسبة لإسبانيا قبله، ومنها:
أ — لأن الإنسان الصحراوي متيقّن أنه لا توجد قوة في هذا الكون يمكن أن تهزمه عندما يكون على حق. وهذه الخاصية الوراثية الفريدة لها طبيعة وجدانية وتشكل جزءًا من العقلية والنفسية عند كل صحراوي وصحراوية.
ومن ذلك أن الإنسان الصحراوي يخرج من بطن أمه بحمض نووي يحتوي على رفض الخنوع والإكراه والذل، ولا يخشى الموت في سبيل الكرامة والحق. ومنذ الطفولة يتعلّم الصحراوي الصبر على المآسي والآلام والنكبات، ويصبح رفع التحديات بالنسبة له ممارسة عادية مهما كانت الصعوبات.
ب — لأن الإنسان الصحراوي يفضّل الموت على حياة الذل؛ فهو من الناحية النفسية لا يهدأ له بال ولا يشعر بالراحة أو الاطمئنان إلا عندما ينتصر على الظلم والإهانة، وبعدما يرفع التحدي مهما كان نوعه، لأن الموت في نظره فرض والذل ليس فرضًا، أو كما يقولون بالحسانية: «الموت فرْض والرگّة ما فرْض».
فهوية الإنسان الصحراوي جبلت على عزة النفس والكرامة وعشق الحرية، التي هي الأوكسجين الذي يستنشقه في المناخ الصحراوي الطبيعي الذي تربّى وعايش فيه أجداده منذ قرون؛ وينطبق على ذلك قول الشاعر عنتر بن شداد:
حكم سيوفك في رقاب العذل وإذا نزلت بدار ذل فأرحل وإذا بليت بظالم كن ظالما وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهلي واختر لنفسك منزلًا تعلو به أو مت كربًا ما تحت ظل القسطل
ج — سياسة المحتل الرامية إلى «مغربة» الإنسان الصحراوي وطمس هويته ستأتي حتمًا بنتائج عكسية تمامًا.
فشخصية الإنسان الصحراوي المتميّزة ستكون لها لا محالة الكلمة الأخيرة في كل سجال أو معركة عندما يكون متيقنًا أن الحق بجانبه. وهكذا كان الأمر وسيبقى مع تعاقب الأجيال.
فحكام المغرب الذين تعوّدوا على الخنوع والركوع وتقبيل الأيادي والإهانة، ويظنون أن ذلك يمكن أن يُفرض على الشعب الصحراوي، لم يفهموا درس التاريخ؛ لأن العكس هو الذي سيحصل في النهاية، حيث إن الاقتراب كثيرًا من الصحراويين والاحتكاك بهم سيحدث «عدوى» الحرية والتمرد على الطغيان في أوساط المغاربة، فيكسرون بها أغلال المخزن المفترس. وربما يكون هذا العنصر من بين العوامل التي دفعت الحسن الثاني إلى اتخاذ قرار فك الارتباط بالصحراويين قبل فوات الآوان.
ثالثًا — لماذا سيفقد المغرب سيادته نتيجة سعيه العبثي وراء وهم السيادة على الصحراء الغربية؟
اعتمد المغرب في حربه التوسّعية على دعم سياسي وعسكري من فرنسا ودول غربية عديدة، وعلى دعم مالي من دول خليجية كانت تدفع فاتورة مشتريات السلاح والذخائر بالمليارات من الدولارات.
لكن مقاومة جيش التحرير الشعبي الصحراوي التاريخية أَفشَلَت كل خطط العدو، الذي عادة ما ينسحب من المواجهات الكبيرة تاركًا في الميدان وراءه جثث الموتى بالعشرات والعديد من الأسلحة والمعدّات. أما الأسرى فقد بلغ عددهم آلافًا بين ضباط وطَيّارين وجُنود.
خلال 16 سنة من الحرب التي شهدت معارك طاحنة، لم يعد أمام المغرب سوى رفع الراية البيضاء أو طلب المزيد من التدخل الخارجي إلى جانب قواته.
خيار محمد السادس وفريقه التملّص من التزامات المغرب ضمن مخطط التسوية ومواصلة الحرب والسياسة العدوانية والتوسّعية فرض عليهم رهن سيادة المغرب لعدة قوى خارجية مقابل حمايتها للعرش وإيهام نظامهم المخزني بضمان السيادة له على الصحراء الغربية.
نرى هكذا أن سياسة التعنّت ومواصلة العدوان أفقدت المغرب—مع كامل الأسف—سيادته على ترابه الوطني داخل حدوده الدولية المعترف بها، وفي الوقت نفسه لن يحقق فيها سيادة على الصحراء الغربية مهما فعل، كما اتضح خلال خمسة عقود.
إن القوى القديمة والجديدة التي انحازت اليوم علنًا إلى جانب العدوان المغربي على الشعب الصحراوي هي نفسها التي كانت وراء مؤامرة تقسيمه، وهي التي سلّحته منذ 1975 وشاركت بخبرائها في تسيير الحرب وتدخل بعضها بقواته مباشرة في المعارك. إنها التي تمنع الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير، وهي التي تعرقل تنظيم الاستفتاء، وهي أيضًا التي تحول دون جلوس الدولة الصحراوية على مقعدها في الأمم المتحدة.
إن ارتهان سيادة المغرب لعدة دول اليوم يذكّر بالحالة الفريدة التي خضعت لها مدينة طنجة بالأمس، التي كانت تحت إدارة استعمارية دولية مشتركة مكوّنة من 14 دولة.
المعطيات الموضوعية والملموسة التي تفسر أن المشروع المغربي لا يمكن أن يكون حلاً وتثبت أن مواصلة سياسة العدوان والتوسّع أفقدت المغرب سيادته هي نفسها المعطيات الموضوعية والملموسة التي تبرهن أن المملكة المغربية لن تستطيع أبدًا هزيمة الشعب الصحراوي.
فجلوس المغرب إلى جانب الجمهورية الصحراوية في قمم الاتحاد الأفريقي ومؤتمرات الشراكة بعد مقاطعة دامت 33 سنة يفسّر أن سياسة المغرب العدوانية والتوسّعية تسبح عكس مجرى تيار التاريخ، بالإضافة إلى تناقُضها مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الصحراوية.
إن تمسّك الشعب الصحراوي بحقوقه الوطنية المشروعة وبأسلوب حرب التحرير وتحضيراته الجارية لتخليد خمسينيات الوحدة الوطنية وإعلان الجمهورية الصحراوية تشكّل عربونًا على التصميم القوي لمواصلة الدرب على طريق الشهداء، وهو ما يثبت أن الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

