طبول الحرب ضد إيران تُقرع من جديد
بدأت ملامح التحضيرات الإسرائيلية لمواجهة عسكرية محتملة ضد إيران تتكشف إلى العلن، وسط مؤشرات متزايدة على أن هذا الملف سيكون في صلب المحادثات المرتقبة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارة نتنياهو المرتقبة إلى الولايات المتحدة نهاية الأسبوع. ووفق ما أوردته وسائل إعلام أميركية، يعتزم نتنياهو عرض عدة سيناريوهات عسكرية على الإدارة الأميركية، تتراوح بين ضربات محدودة وعملية واسعة النطاق، قد تكون – في حال تنفيذها – الأعنف منذ عقود في سياق الصراع غير المعلن بين الطرفين.
ورغم هذا التصعيد في الخطاب الإسرائيلي، تشير التقارير ذاتها إلى أن الموقف الأمريكي لا يبدو متحمسًا، على الأقل في المرحلة الراهنة، لخوض حرب مفتوحة ضد طهران، بالنظر إلى كلفتها الإقليمية والدولية العالية. غير أن هذا التحفّظ الأميركي لم يمنع إيران من رفع مستوى جاهزيتها العسكرية، تحسبًا لأي هجوم مباغت قد تشنه إسرائيل على أراضيها، في ظل تقديرات تفيد بأن طهران هذه المرة أعدّت العدة بشكل مختلف وأكثر شمولًا.
وتفيد معطيات متداولة بأن إيران عملت خلال الفترة الأخيرة على تعزيز قدراتها الصاروخية، واستئناف إنتاج أنواع متطورة من الصواريخ بعيدة المدى، إلى جانب معالجة الثغرات التي كانت قائمة في منظومتها للدفاع الجوي. كما تشير تقارير إلى حصولها على وسائل متقدمة لرصد الطائرات المعادية، بما في ذلك الطائرات الإسرائيلية، ما يعزز قدرتها على اعتراضها أو إسقاطها في حال اندلاع مواجهة مباشرة.
وفي السياق ذاته، يُقال إن إيران تخلت عن الاعتماد على أنظمة تحديد المواقع الغربية، وعلى رأسها نظام “GPS”، بعد اتهامها باستخدام هذه التقنيات في تتبع علماء وشخصيات بارزة داخل البلاد. وبدلًا من ذلك، اتجهت طهران إلى تشغيل نظام الملاحة الصيني “بايدو” داخل أجوائها، ومنعت عمل الأنظمة الأمريكية فوق أراضيها، في خطوة تعكس سعيها إلى تقليص الاختراقات التقنية والاستخباراتية.
على الصعيد العسكري، لوّحت إيران، وفق مصادر غير رسمية، بالرد على أي اعتداء صهيوني بضربة صاروخية واسعة قد تشمل إطلاق ما يصل إلى ألفي صاروخ في المرحلة الأولى، على أن تتواصل العمليات لاحقًا بوتيرة متصاعدة. ويُفهم من هذا التهديد أن طهران تسعى إلى ترسيخ معادلة ردع جديدة، مفادها أن أي هجوم لن يمر دون كلفة باهظة.
في المقابل، يرى مراقبون أن إسرائيل، بدعم من بعض الدوائر الغربية، لا تخفي هدفها الأوسع المتمثل في إضعاف النظام الإيراني، وربما الدفع نحو إسقاطه عبر إحداث دمار واسع النطاق. وفي هذا السياق، بدأت بعض العواصم الأوروبية، ومنها لندن، في التعبير عن قلق متزايد من تداعيات أي انفجار كبير في الشرق الأوسط، خاصة في ظل عجزها عن التعامل مع تهديدات أخرى، مثل التصعيد الروسي الأخير.
وتزداد هذه المخاوف بعد إعلان موسكو عن نشر صواريخ “أوريشنيك” في بيلاروسيا، ما يقلص المسافة الزمنية لوصولها إلى عواصم غربية، بما فيها لندن، إلى دقائق معدودة، فضلًا عن الترسانة النووية البحرية غير المعلنة، التي تشكل عنصر ضغط إضافي في معادلة الردع الدولية.
في هذا المشهد المعقد، تستفيد إيران من دعم صيني متنامٍ، خاصة في المجال الاقتصادي والطاقة. فقد دشنت بكين مؤخرًا خطًا بريًا لنقل النفط الإيراني إلى الأراضي الصينية، بعيدًا عن الرقابة الأميركية والمضايقات المحتملة في الممرات البحرية. هذا المشروع يوفر للصين طريقًا آمنًا لتأمين احتياجاتها من الطاقة، وفي المقابل يمنح إيران متنفسًا استراتيجيًا في مواجهة العقوبات.
كما تشير تقديرات إلى أن الدعم الصيني لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يشمل مجالات تقنية وعسكرية، بما يعزز قدرة إيران على الصمود في حال اندلاع مواجهة مع إسرائيل، وهي مواجهة ما تزال واشنطن تتردد في الانخراط المباشر فيها، إدراكًا لخطورتها على استقرار المنطقة بأكملها.
ويبقى السؤال المطروح في الأوساط السياسية والعسكرية، هل سيتمكن نتنياهو من إقناع ترامب بالمضي قدمًا نحو مواجهة ثانية مع إيران، أم أن الحسابات الأميركية ستظل أكثر حذرًا؟ الإجابة عن هذا السؤال ستتضح إلى حد كبير مع نتائج الزيارة المرتقبة، وما سيسفر عنه اللقاء بين الرجلين في واشنطن، في وقت تبدو فيه المنطقة على وقع إيقاع متسارع لطبول حرب لم تُحسم بعد.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
رئيسة الاستخبارات الأمريكية تنفي مزاعم الغزو الروسي وتفجّر خلافًا حادًا مع الأوروبيين
وجّهت رئيسة الاستخبارات الأمريكية، تولسي غابارد، ما وُصف بـ«الصفعة السياسية» للأوروبيين، ب…






