من الحوسبة السحابية إلى الذكاء الاصطناعي.. هواوي تدعم التحول الرقمي في الجزائر

من الحوسبة السحابية إلى الذكاء الاصطناعي.. هواوي تدعم التحول الرقمي في الجزائر

تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة تسارعًا لافتًا في وتيرة التحول الرقمي، في ظل إدراك متزايد بأن الاقتصاد الرقمي لم يعد خيارًا تكميليًا، بل أصبح ركيزة أساسية للتنمية، وأداة سيادية لا تقل أهمية عن الطاقة أو الأمن الغذائي. ففي عالم يتجه بسرعة نحو الاعتماد على الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، تسعى الجزائر إلى إعادة تموقعها ضمن الخريطة الرقمية الإقليمية، من خلال تحديث بنيتها التحتية، وتطوير خدماتها العمومية، وتمكين مؤسساتها من أدوات الابتكار.

في هذا السياق، احتضنت العاصمة الجزائر، يوم 23 ديسمبر 2025، فعاليات Cloud and Digital Transformation Summit Algeria 2025، الذي نظمته شركة هواوي الجزائر، وجمع مسؤولين حكوميين، وممثلين عن مؤسسات عمومية، وخبراء في التكنولوجيا الرقمية، إلى جانب فاعلين من القطاع الخاص ومنظومة الابتكار. وقد شكل هذا الحدث منصة للنقاش حول مستقبل التحول الرقمي في الجزائر، وأبرز الرهانات المرتبطة بالسيادة الرقمية، وأمن البيانات، واستغلال الذكاء الاصطناعي في تحسين الأداء الاقتصادي والخدمات العمومية.

ركزت النقاشات على ضرورة بناء بنية تحتية سحابية وطنية آمنة وذات سيادة، تكون قادرة على استيعاب الكم المتزايد من البيانات، ودعم مشاريع الحكومة الإلكترونية، وضمان استمرارية الخدمات في مختلف الظروف. كما طُرحت مسألة توظيف المنصات الذكية في تعزيز الأمن العمومي، وتحسين إدارة المدن، ورفع مستوى الاستجابة للأزمات، في إطار مقاربة تعتمد على البيانات والتحليل التنبئي بدل المعالجة التقليدية.

وأبرز المشاركون أن التحول الرقمي لا يقتصر على الإدارة العمومية، بل يشكل فرصة استراتيجية للمؤسسات الاقتصادية الجزائرية، لاسيما الصغيرة والمتوسطة، من أجل تحسين الإنتاجية، تقليص التكاليف، وتطوير نماذج أعمال جديدة أكثر مرونة وتنافسية. وفي هذا الإطار، تلعب الحوسبة السحابية دورًا محوريًا في إزالة الحواجز التقنية والمالية أمام الابتكار، عبر إتاحة موارد رقمية متقدمة دون الحاجة إلى استثمارات ثقيلة في البنية التحتية.

وخلال القمة، أكد توني سي، الرئيس التنفيذي لهواوي الجزائر، أن التحول الرقمي يمثل أحد الأعمدة الأساسية لرؤية الدولة «الجزائر 2030»، موضحًا أن الانتقال إلى السحابة يسمح بتجاوز النماذج المعلوماتية التقليدية، والانتقال نحو استغلال فعّال للبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. كما شدد على أن التزام هواوي في الجزائر ليس ظرفيًا، بل هو مسار طويل بدأ منذ 25 عامًا، تميز بالمساهمة في تطوير شبكات الاتصالات، والبنى التحتية الرقمية، وصولًا إلى الحلول السحابية والذكاء الاصطناعي.

من جهته، أوضح روبرت شو، المدير العام لـHuawei Cloud الجزائر، أن التحول الرقمي أصبح اليوم خيارًا استراتيجيًا عالميًا، حيث تبنت أكثر من 170 دولة سياسات وطنية في هذا المجال. وأكد أن تقنيات السحابة الأصلية (Cloud-native) تمثل عامل تسريع حاسم لمشاريع الرقمنة، مشيرًا إلى أن حلول Huawei Cloud تُستخدم بالفعل في عدة قطاعات حيوية في الجزائر، مثل الإدارة، الاتصالات، المالية، الطاقة، والنقل الجوي، مع تحقيق نتائج ملموسة على مستوى الكفاءة التشغيلية وجودة الخدمات.

كما سلطت القمة الضوء على التحولات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة الانتقال من الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الذكاء الاصطناعي القائم على الوكلاء، الذي يتيح أنظمة أكثر استقلالية وقدرة على اتخاذ القرار. وفي هذا السياق، باتت مراكز البيانات السحابية تُعد بنى تحتية ذكية بحد ذاتها، تشكل العمود الفقري للاقتصاد الرقمي في عصر البيانات.

وأكد مسؤولو هواوي أن المجموعة تطور نموذج “سحابة أصلية للذكاء الاصطناعي”، قادر على مرافقة المؤسسات في انتقالها الرقمي، بالاعتماد على شبكة عالمية واسعة، وحلول محلية مثل Huawei Cloud Stack، التي تتيح للحكومات والمؤسسات المالية الاحتفاظ بالبيانات داخل الحدود الوطنية، بما يعزز مبدأ السيادة الرقمية.

كما تم التطرق إلى حلول Model as a Service (MaaS)، التي تسهّل على المؤسسات استخدام الذكاء الاصطناعي عبر واجهات برمجية مرنة، دون الحاجة إلى إدارة بنى تحتية معقدة. واحتلت مسألة الأمن السيبراني والموثوقية حيزًا مهمًا من النقاش، حيث جرى التأكيد على أهمية حماية البيانات والنماذج والأنظمة الرقمية عبر كامل دورة حياتها، في ظل تصاعد التهديدات السيبرانية عالميًا.

ومن أبرز محطات القمة، الإعلان عن توقيع بروتوكولات اتفاق بين Huawei Cloud الجزائر وثلاثة مزودي خدمات سحابية محليين، في خطوة تهدف إلى توسيع منظومة الخدمات السحابية الوطنية، وتعزيز الشراكات المحلية، وتسريع اعتماد تقنيات السحابة والذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. وتُعد هذه الخطوة مؤشرًا على توجه نحو بناء منظومة رقمية تشاركية، لا تقتصر على الفاعلين الدوليين، بل تمنح دورًا محوريًا للخبرات الوطنية.

كما شكل الحدث مناسبة لإبراز الكفاءات الجزائرية الصاعدة في مجال التكنولوجيا، من خلال تكريم شركة ناشئة جزائرية حققت نتائج متقدمة في مسابقة إقليمية للمطورين، ما يعكس الإمكانات الكبيرة التي تزخر بها البلاد في مجال الابتكار الرقمي، متى توفرت البيئة التقنية والتنظيمية المناسبة.

يعكس هذا الحدث توجهًا واضحًا نحو جعل التحول الرقمي مشروع دولة طويل الأمد، يقوم على شراكة بين القطاعين العام والخاص، ويضع السيادة الرقمية في صلب أولوياته. فالجزائر، وهي تخطو خطوات ثابتة نحو اقتصاد المعرفة، تدرك أن التحكم في البيانات، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وبناء القدرات البشرية، تشكل عناصر حاسمة لضمان موقع فاعل في عالم يتغير بوتيرة متسارعة. وفي هذا المسار، تبدو الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي ليسا مجرد أدوات تقنية، بل رافعتين استراتيجيتين لمستقبل التنمية الوطنية.