‫الرئيسية‬ الأولى المدخلية.. حصان طروادة لهدم بلد الشهداء
الأولى - مقالات - 9 أغسطس، 2025

المدخلية.. حصان طروادة لهدم بلد الشهداء

المدخلية.. حصان طروادة لهدم بلد الشهداء
انتشر في الجزائر خلال السنوات الأخيرة تيار ديني يعرف بالتيار المدخلي، وهو فرع من السلفية الوهابية، يرفع شعار طاعة الحاكم أو ما يسمونه “ولي الأمر” طاعةً مطلقة، ولو كان فاسقًا أو ظالمًا، مخالفين بذلك توجيه النبي ﷺ القائل: “إنما الطاعة في المعروف” (صحيح البخاري ومسلم)، و”لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” (مسند أحمد وصححه الألباني). وقد سمعنا أحد الأئمة المنتسبين إلى جمعية العلماء المسلمين – التي انتحلت إرث الإمام عبد الحميد بن باديس – يسخر علنًا من قضية طاعة ولي الأمر، بحجة أنه يشرب الخمر، متجاهلًا أن التاريخ والحديث يذكران أن بعض الصحابة شربوا النبيذ قبل تحريمه، كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: “كانوا يشربون النبيذ يومئذ ويومئذ لا يعلمون أنه يسكر” (صحيح البخاري – كتاب الأشربة). بل وحتى معاوية بن أبي سفيان، الذي يتخذه هذا التيار قدوة، عُرف عنه شرب الخمر، رغم أن الإمام أحمد بن حنبل قال: “ما أعرف لمعاوية حسنة” وفي رواية: “مات على غير الإسلام”.

حال التدين في الجزائر اليوم يدعو للشفقة، إذ أصبح التطرف هو السمة الغالبة على أتباع هذا التيار، وهو ما يشكل خطرًا وجوديًا على البلد إذا تُرك يصول ويجول حتى يتمكن، لأن التجربة علّمتنا أن الفكر المتطرف يبدأ لَيّنًا ثم يتحول إلى عنف مسلح. وقد حذر النبي ﷺ من الغلو بقوله: “إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” (رواه النسائي وابن ماجه وصححه الألباني)، وحذر أيضًا من الفتنة الداخلية: “لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض” (صحيح البخاري ومسلم). هذا التيار، الذي تسلل إلى الجزائر عبر الإخوان المسلمين المرتبطين بالماسونية، دمر الروابط العائلية، واستبدل “أخوة الدم” بـ”أخوة الجماعة”، حتى وصل الأمر إلى أن يقتل الابن أباه أو أمه أو أخاه بدافع الولاء لفكرة، كما حدث في سنوات الجمر.

الخطورة لا تكمن فقط في الأفكار، بل في محاولة التيار الوهابي المدخلي طمس المرجعية الدينية الجزائرية التي صمدت لأكثر من ثلاثة عشر قرنًا، جامعة المالكية والصوفية والحنفية والإباضية، وبقايا الموروث الإسماعيلي والفاطمي. اليوم، يهادن هذا التيار السلطة ويكذب عليها في انتظار اللحظة التي يبسط فيها سيطرته، وحينها سيطبق قاعدة التكفير على كل مخالف، مستندًا إلى فهم ضيق للنصوص، مخالفًا لحديث النبي ﷺ: “إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما” (صحيح البخاري – كتاب الأدب).

المؤسسات الدينية الرسمية، رغم المليارات التي تُضخ في وزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى، شبه معطلة، وكأنها تتواطأ بصمت مع هذا الفكر. الاستثناء القليل هو الشيخ شمس الدين، الذي يواجه حصارًا إعلاميًا من وسائل يسيطر عليها الإخوان. إن تيار “طاعة ولي الأمر” سيكون كارثة إذا تمدد، ولا ضمان أن يبقى على موقفه الحالي حين يقوى، كما حصل مع جبهة الإنقاذ التي بدأت خطابها بالموعظة ثم انتهت بحمل السلاح.

الرئيس تبون، كما عرفناه، يضع وحدة الجزائر فوق كل اعتبار، وقد برهن على ذلك بجهوده التنموية وتقوية الجيش وفك التبعية الاقتصادية لباريس. لكن التهديد الوهابي يتطلب، إلى جانب الجهد الأمني، إعادة هيكلة الساحة السياسية المتهالكة، وإحياء المرجعية الدينية الوطنية التي تميزت بالسماح للمرأة بأن تكون قاضية، وهو ما تحرمه الوهابية والسلفية. هؤلاء الدعاة يعيدوننا إلى القرون الوسطى، فيفرضون على المرأة محرمًا حتى في سفرها الداخلي، متجاهلين أن اشتراط المحرم في الحديث: “لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم” (صحيح البخاري ومسلم)، فسره جمهور المالكية بأنه في أسفار الخطر زمن غياب الأمن، لا في دولة مستقرة.

المدخلية والوهابية حرّموا الموسيقى والفنون، متذرعين بأنها كانت غائبة عن “السلف الصالح”، في تجاهل تام لتاريخ الخلفاء العباسيين مثل هارون الرشيد، الذين رعوا الفنون، وللدولة العباسية التي دوّنت خلالها كتب الحديث والمذاهب التي يعتمدون عليها أنفسهم. وقد استعملوا فزاعة “معاداة الدين والرسول” لإسكات أي نقد، وهي طريقة معروفة لدى الحركات الإرهابية.

المجتمع الجزائري اليوم بدأ يدفع الثمن: شتائم واعتداءات لفظية على النساء في الشوارع، حتى المحجبات، باعتبارهن “ناقصات دين”، في مخالفة صريحة لحديث النبي ﷺ: “استوصوا بالنساء خيرًا” (صحيح البخاري ومسلم). وترك السلطات لهذه الممارسات، أحيانًا عن جهل وأحيانًا عن تواطؤ، يشكل خطرًا مميتًا، خصوصًا وأن الوهابية أُخرجت حتى من السعودية بعد مراجعات كبرى.

في مؤتمر غروزني (سبتمبر 2016) الذي حضره شيخ الأزهر، تم إعلان أن الوهابية لا تنتمي إلى أهل السنة والجماعة، وأنها من منابع الإرهاب والتكفير، بل امتداد لفكر الخوارج، الذين وصفهم النبي ﷺ بقوله: “يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” (صحيح البخاري ومسلم). هذا التيار يكفّر جميع المذاهب الأخرى، ويعتبر القضاء عليها واجبًا دينيًا، وهو ما يهدد التنوع المذهبي والتاريخي للجزائر.

إن الجزائر اليوم أمام خطر داهم، ولن يكفي الجيش وحده لدرئه، بل يجب تسريع إعادة هيكلة المشهد السياسي، وتحصين المجتمع بالعلم والوعي الديني الصحيح، قبل أن نجد أنفسنا أمام نسخة جديدة من سنوات الجمر التي أحرقت أرواح الجزائريين وأحرقت معها بلد الشهداء.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر

تكثّف دوائر المخزن في المروك خلال الأسابيع الأخيرة حملاتها الإعلامية الممولة عبر مقالات مد…