سيفي غريب.. من الميدان تُكتب النهضة
بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل في المشهد الوطني، منذ أن تقلّد الوزير الأول سيفي غريب مهامه على رأس الجهاز التنفيذي، مرحلة تُعيد الاعتبار للفعل على حساب القول، وللإنجاز على حساب الخطابة. فالرجل الذي لا يعرف لغة المراوغة السياسية ولا يتقن صناعة الصور الإعلامية، اختار منذ اليوم الأول أن يُمارس السياسة بمنطق العمل، وأن يُثبت أن القيادة الحقيقية لا تُقاس بحجم الظهور، بل بحجم الأثر الذي تتركه في الميدان. ومنذ توليه المنصب، أخذ على عاتقه مهمة ثقيلة، عنوانها بعث المشاريع المتوقفة، وإحياء الصناعة الوطنية، وتحويل الشعارات إلى نتائج ملموسة تُقاس بالطن لا بالكلمة، وبفرص العمل لا بالتصريحات.
في ظرف اقتصادي عالمي معقد، كانت الجزائر بحاجة إلى من يملك الإرادة الصلبة والقرارات الجريئة لإعادة تدوير عجلة الإنتاج الوطني. فجاء الوزير الأول سيفي غريب ليُعيد لهذه العجلة دورانها الطبيعي، وليرسم ملامح سياسة اقتصادية واقعية لا تعتمد على الوعود بل على الخطط المبرمجة والمراقبة التنفيذية الدقيقة. لم يكن من السهل أن يرث تركة من المشاريع المتوقفة والمصانع المغلقة والأصول المصادرة، لكن الرجل آمن بأن الجزائر تملك من القدرات ما يكفي لتصنع نهضتها بنفسها، وأن كل مشروع مُهمل هو فرصة مهدورة للتنمية وفرصة ضائعة للشباب. ومن هذا الإيمان، انطلقت الحكومة لتعيد الحياة إلى مؤسسات كانت بالأمس رموزًا للركود، وأصبحت اليوم رموزًا للأمل.
لقد أثبت الوزير الأول أن الزيارات الميدانية ليست بروتوكولًا روتينيًا، بل آلية للرقابة والمساءلة. فكل محطة من محطاته عبر الولايات تحمل معها قرارات عملية، تُتبع بآجال محددة وتعليمات واضحة، كما حدث خلال زيارته إلى ولاية الشلف، حين وقف بنفسه على المركب الصناعي التجاري “كابتان” التابع لمجمع “أغروديف”. لم يكن حضوره هناك حضورًا رمزيًا بل إشرافًا فعليًا على إعادة بعث وحدة إنتاجية تُعد من ركائز الصناعة الغذائية في البلاد. كان دقيقًا في ملاحظاته، صارمًا في توجيهاته، حين طالب بإعداد ورقة طريق واضحة خلال أسبوع واحد لتوسعة المصنع وتحديد الموارد المالية وآفاق الشراكة، مؤكدًا أن الوقت في الاقتصاد ليس ترفًا، بل هو رأسمال لا يقل أهمية عن المال نفسه.
ولا تقتصر هذه الديناميكية على الشلف فحسب، بل تمتد إلى ولايات أخرى حيث أشرف الوزير الأول على إعادة بعث مشاريع الحديد والصلب، والصناعات الغذائية، والمنشآت المصادرة التي كانت حبيسة النزاعات القضائية. إن ما يميز مقاربته هو أنه لا يتعامل مع هذه المشاريع كملفات إدارية، بل كقضية سيادية تمس الأمن الاقتصادي للبلاد. فهو يدرك أن كل مصنع يُعاد تشغيله يعني تعزيز الاكتفاء الوطني، وكل ورشة تُفتح من جديد تعني فرصة عمل تُخلق، وكل أصل مصادَر يُسترجع يعني استعادة جزء من ثروات الشعب التي أهدرتها سنوات الفساد والبيروقراطية.
الوزير الأول يتحرك اليوم بعقلية إصلاحية شاملة، تستمد قوتها من الثقة التي وضعها فيه رئيس الجمهورية ومن الإيمان بأن التنمية لا تتحقق إلا بالاستمرارية. ولعل أبرز ما يميّزه هو أنه يجمع بين الصرامة في التنفيذ والواقعية في الخطاب، فلا يبيع الوهم ولا يُقدّم الأعذار. في كل محطة، يذكّر المسؤولين المحليين بأن التنمية ليست حبرًا على ورق، بل إرادة تُترجم على الأرض، وأن الجزائريين لم يعودوا ينتظرون وعودًا بقدر ما ينتظرون نتائج. لقد استطاع في فترة وجيزة أن يرسّخ نموذجًا جديدًا في الحوكمة الميدانية، حيث تتحول الزيارات الرسمية إلى مختبر لتصحيح الاختلالات ومراقبة وتيرة العمل، بعيدًا عن الكاميرات وضجيج المنابر.
في ظل المتغيرات الاقتصادية الدولية، تبدو هذه المقاربة ضرورية أكثر من أي وقت مضى. فالجزائر التي تخوض اليوم معركة تنويع اقتصادها واسترجاع سيادتها الإنتاجية، بحاجة إلى قيادة تنفيذية حازمة تضع مصلحة الوطن فوق الحسابات السياسية. والوزير الأول يجسد هذا النموذج بالفعل، إذ لا يتحدث عن المشاريع كأرقام بل كقصص نجاح، ولا يرى في الاقتصاد مجرد توازن مالي بل مشروعًا وطنيًا لبناء الكرامة. فكل خطوة يخطوها على الميدان، من الشلف إلى المسيلة، من مجمعات الحديد إلى مصانع الأغذية، تُعيد رسم خريطة التنمية المتوازنة التي تراعي العدالة الإقليمية وتُنعش الولايات الداخلية بنفس القدر الذي يُنعش فيه الساحل.
وإذا كان العمل الحكومي يُقاس بالنتائج، فإن حصيلة الوزير الأول حتى الآن تمنحه مكانة استثنائية في مشهد السلطة التنفيذية. فقد أعاد الثقة في قدرة الدولة على التدخل الفعلي لإنعاش الاقتصاد، وفتح صفحة جديدة عنوانها إعادة استثمار الثقة الوطنية في الفعل الاقتصادي الوطني. إن ما ينجزه اليوم ليس مجهود شخص واحد، بل نموذج في الإدارة الحديثة التي تعيد ربط القرار السياسي بالفعل الميداني، وتمنح المواطن الشعور بأن الدولة قريبة منه، حاضرة معه، تتابع مشاريعه وتحمي فرصه.
هكذا، يُمكن القول إن سيفي غريب لا يُمارس مهامه كوزير أول فحسب، بل كرجل مرحلة يضع لبنة في بناء الجزائر المنتجة، المستقلة بمواردها، المنفتحة على شركائها، والواثقة في قدرات أبنائها. إنه رجل الأفعال الهادئة، الذي اختار أن يترك أثره في المصانع لا في الخطابات، وفي الأرقام لا في الشعارات. وبينما تتسابق الشعوب لتأمين مستقبلها الاقتصادي، يخطّ الوزير الأول بخطوات ثابتة طريق الجزائر نحو الاعتماد على الذات، بثقة وهدوء ومسؤولية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الرئيس تبون يجدد العهد مع أبناء الوطن في المهجر في ذكرى 17 أكتوبر
تحمل رسالة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمناسبة اليوم الوطني للهجرة، طابعًا وطنيًا عميق…