ترامب يرفض تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك”
اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن تسليم بلاده صواريخ “توماهوك” لأوكرانيا لاستخدامها في ضرب العمق الروسي يُعدّ خطرًا مباشرًا على الأمن القومي الأمريكي، مؤكدًا أن واشنطن لن تدخل في حرب مباشرة مع موسكو. وجاء تصريح ترامب عقب مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي وُصفت في الأوساط الدبلوماسية بأنها “حاسمة”، بعد أن حملت إشارات واضحة إلى رد روسي محتمل ضد الولايات المتحدة في حال تجاوزت الخطوط الحمراء.
وخلال لقائه بالرئيس الأوكراني في نهاية الأسبوع الماضي، نصح ترامب كييف بقبول تسوية عاجلة مع موسكو وتجميد الصراع عند حدوده الحالية، مع الاعتراف بالأراضي الواقعة تحت السيطرة الروسية والتي يقطنها ملايين من الأوكرانيين ذوي الأصول الروسية. وأشار ترامب إلى أن هؤلاء السكان “تعرضوا لاضطهاد ممنهج من قبل سلطات كييف التي قتلت أكثر من 17 ألف مدني، ودمرت مدنًا كاملة لمجرد أن لغتهم الأم هي الروسية”، في إشارة إلى السياسات الأوكرانية التي منعت اللغة الروسية من المدارس والإدارات وحرمت الناطقين بها من حقوقهم الاجتماعية، واصفًا ذلك بأنه “إرهاب غير مسبوق ضد مواطنين من أبناء الشعب الأوكراني نفسه”.
في المقابل، تعيش أوروبا حالة من التذمر والهلع من التقارب الأمريكي–الروسي المتنامي، خاصة بعد أن تسربت معلومات حول مشاورات سرية بشأن استعادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين واشنطن وموسكو، بل وتداولت بعض الأوساط الأوروبية فكرة مشروع نفق تجاري يربط بين القارتين عبر القطب الشمالي، وهو ما أثار غضب العواصم الأوروبية التي ترى في هذا التقارب تهديدًا لمصالحها. وتشير التقارير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تعمل حاليًا على إفشال اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين في العاصمة المجرية بودابست، والذي ينظمه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المعروف بموقفه المعارض للعقوبات المفروضة على روسيا.
ورغم رغبة بعض الدول الأوروبية في التصعيد ضد موسكو، إلا أنها تفتقر إلى الوسائل العسكرية لذلك، في حين تدرك أن أي مواجهة مباشرة مع الروس ستكون كارثية الثمن. فروسيا، من جهتها، عززت مواقعها الدفاعية بنشر منظومات “إس-400” المتطورة في بيلاروسيا، ما يتيح لها تغطية المجال الجوي الواسع فوق بولندا وألمانيا وأجزاء من دول البلطيق، في رسالة ردع واضحة إلى حلف شمال الأطلسي.
كما اتهمت موسكو مؤخرًا بريطانيا علنًا بالضلوع في عمليات تخريب داخل الأراضي الروسية وعلى الحدود مع أوكرانيا، مشيرة إلى أن لندن تمارس ضغوطًا على الأوروبيين لدفعهم إلى فتح جبهة مواجهة مباشرة مع روسيا. وتقول مصادر روسية إن بريطانيا هي المحرك الخفي للمواقف العدائية تجاه موسكو داخل الاتحاد الأوروبي، فيما تبدو ألمانيا، التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة، وفرنسا وهولندا من أكثر الدول حماسًا لمواصلة التصعيد، خاصة مع تولي رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته الأمانة العامة لحلف الناتو مؤخرًا.
وفي خضم هذا المشهد المتوتر، كشفت مصادر دبلوماسية أن اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في لوكسمبورغ يهدف أساسًا إلى إفشال أي محاولة لتسوية سلمية بين بوتين وترامب، في وقت تتزايد فيه الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي الرافضة لنهج التصعيد والمطالبة بخيار الحوار.
ويرى مراقبون أن تهميش ترامب المتعمّد للدور الأوروبي الغربي في إدارة ملف الحرب الأوكرانية قد أثار غضب قادة الاتحاد الأوروبي وأدخلهم في حالة من الهستيريا السياسية، إذ يتحرك هؤلاء الآن لمنع أي اتفاق محتمل بين روسيا وأوكرانيا لوقف الحرب، خوفًا من فقدان نفوذهم في المعادلة الدولية.
وفي المقابل، يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب تميل إلى تبريد الصراع وتجنب أي مواجهة مباشرة مع موسكو، مفضلة الحلول الدبلوماسية على التصعيد العسكري، بعد التحذيرات المتكررة من أن أي حرب شاملة مع روسيا قد تتحول إلى حرب عالمية ثالثة تكون فيها الأراضي الأمريكية هدفًا مباشرًا. وبحسب مقربين من ترامب، فإن الرئيس الأمريكي يعتبر أن “المصلحة القومية الأمريكية تقتضي إيقاف الحرب لا توسيعها، وأن الحوار مع موسكو لا يُعد ضعفًا بل ضمانًا لأمن العالم”.
وبينما تحاول أوروبا الحفاظ على موقفها المتشدد، يبدو أن الرياح السياسية الدولية بدأت تميل نحو واشنطن وموسكو معًا، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، لكن هذه المرة بملامح أكثر واقعية ومصالح أكثر تعقيدًا.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الحكم الذاتي… الانتحار المبرمج لـ”مملكة الليوطي”
شرح وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، في لقاء متلفز، كل حيثيات قرار مجلس الأمن،…







