“أوقفوا الوصم”.. حملة فرنسية تندد بالعنصرية الممنهجة ضد الجزائريين
شهدت مدينة مرسيليا الفرنسية حراكًا مدنيًا واسعًا بعدما توحّد عدد كبير من الجمعيات والمنظمات الرياضية والثقافية والشخصيات المحلية للتنديد بما وصفوه بتصاعد موجة العنصرية ضد الجالية الجزائرية في فرنسا. جاء هذا التحرك الجماعي في ظل تصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين والمسلمين، وفي سياق اجتماعي متوتر يشهد تناميًا في حوادث الكراهية والتمييز. وأطلق المشاركون في هذه المبادرة عريضة وطنية بعنوان “أوقفوا الوصم” تهدف إلى لفت انتباه السلطات الفرنسية إلى حجم المعاناة التي يعيشها الفرنسيون من أصول جزائرية، الذين يشكّلون جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لمدينة مرسيليا، حيث يزيد عددهم عن ثلاثمائة ألف شخص.
برزت ضمن هذا التحالف منظمات فاعلة في الحقل الاجتماعي والثقافي، من بينها مركز التدخلات الاجتماعية في الوسط متعدد الثقافات بمرسيليا، والتجمع المدني “جسر فرنسي جزائري”، والجمعية الثقافية الأمازيغية في كابوسيل، وجمعية “مواطنون متعددو الانتماءات”، إلى جانب المجلس التمثيلي لجمعيات السود في فرنسا، وحركة الجالية الجزائرية في فرنسا، وعدد من الأندية الرياضية والمبادرات المدنية. هذا التنوّع في الجهات الموقعة على العريضة يعكس حجم القلق المتزايد داخل الأوساط الشعبية، إذ لم يعد التمييز مقتصرًا على مواقف فردية، بل تحول، بحسب القائمين على الحملة، إلى ممارسة ممنهجة تمتد إلى مؤسسات الدولة والمجتمع معًا.
يرى المنظمون أن الصمت لم يعد ممكنًا أمام تنامي هذه الظاهرة، مشيرين إلى أن التقارير الرسمية نفسها تؤكد أن الاعتداءات ذات الطابع العنصري ضد المسلمين في فرنسا قد ارتفعت بنسبة خمسة وسبعين في المئة بين شهري يناير وماي من سنة 2025. ويؤكد هؤلاء أن هذا التصاعد لا يمكن فصله عن المناخ السياسي العام الذي تشهده البلاد، حيث تتصاعد خطابات اليمين المتطرف وتغذّي وسائل إعلام معينة صورة سلبية عن المهاجرين من أصول مغاربية، وخاصة الجزائريين، الذين يواجهون تحديات يومية في مجالات السكن والعمل والتعليم والخدمات الصحية.
يؤكد القائمون على المبادرة أن الهدف الأساسي من هذه العريضة ليس فقط التنديد اللفظي، بل إطلاق مسار طويل من العمل الميداني لتغيير الذهنيات والقوانين معًا. في هذا السياق، أعلن فريد بن حاجوق، رئيس جمعية “مواطنون متعددو الانتماءات”، عن نية التحالف إنشاء هيئة دائمة على المستويات البلدية والإقليمية والوطنية، تكون مهمتها الدفاع عن حقوق الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز والعنصرية، والعمل على مراقبة السياسات العامة لضمان احترام مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية.
وتشير الجمعيات المشاركة إلى أن العنصرية ضد الجزائريين في فرنسا ليست ظاهرة جديدة، بل امتداد لتاريخ معقّد من العلاقات الاستعمارية غير المحسومة في الذاكرة الجماعية. فالكثير من أبناء الجالية الجزائرية، رغم انخراطهم الكامل في الحياة الاقتصادية والثقافية، ما زالوا يعانون من نظرة دونية متوارثة ومن تصورات نمطية تضعهم في خانة “الآخر”، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة للتهميش والتمييز في مجالات حيوية كالتوظيف والسكن والتعليم. وتضيف الجمعيات أن هذه السياسات غير المعلنة تعمّق الإحساس بالظلم وتُضعف الثقة في المؤسسات الجمهورية، مما يهدد السلم الاجتماعي في المدن الفرنسية الكبرى، وفي مقدمتها مرسيليا التي تُعدّ نموذجًا للتنوع الثقافي والسكاني في البلاد.
وفي بياناتهم وخطاباتهم، عبّر ممثلو الجمعيات عن قناعة راسخة بأن الدفاع عن كرامة الجالية الجزائرية لا ينفصل عن الدفاع عن القيم الفرنسية نفسها، لأن فرنسا التي تتفاخر بإعلان حقوق الإنسان لا يمكن أن تبقى صامتة أمام التمييز الذي يطال جزءًا من مواطنيها بسبب أصولهم أو معتقداتهم. وطالبوا الحكومة الفرنسية بضرورة اتخاذ خطوات عملية، من بينها تفعيل القوانين الخاصة بمكافحة العنصرية، وتشديد العقوبات على الجرائم ذات الدوافع العنصرية، وإطلاق حملات توعية في المدارس والإعلام لوقف الصور النمطية التي تغذي خطاب الكراهية.
تختتم الجمعيات الموقعة على العريضة رسالتها بدعوة صريحة لكل المواطنين الفرنسيين، بمختلف انتماءاتهم، إلى الوقوف معًا ضد التمييز والعنصرية، والتأكيد أن التعدد الثقافي والديني ليس تهديدًا بل ثراءً للمجتمع الفرنسي. ويقول المنظمون إن معركة الكرامة ليست حكرًا على الجزائريين، بل هي معركة كل من يؤمن بالعدالة والمساواة، معتبرين أن “السكوت جريمة، والصمت تواطؤ”، وأن اللحظة الراهنة تفرض على الجميع إعادة التفكير في معنى المواطنة والانتماء في فرنسا المتعددة الهويات. بهذه الروح، تسعى مرسيليا إلى أن تكون نموذجًا لمدينةٍ تواجه العنصرية بالتضامن، وتحوّل الألم التاريخي إلى فعلٍ مدني واعٍ، يربط بين الذاكرة والمسؤولية، وبين الهوية والكرامة الإنسانية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر تبدي استياءها من تحويل باريس لاتفاقيات 1968 إلى ورقة انتخابية
أعرب وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف عن استياء الجزائر من تصويت البرلمان الفرنسي ضد اتفاقيا…







