‫الرئيسية‬ الأولى هل بدأ العد التنازلي لمواجهة روسية – بريطانية؟
الأولى - الدولي - ‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

هل بدأ العد التنازلي لمواجهة روسية – بريطانية؟

هل بدأ العد التنازلي لمواجهة روسية – بريطانية؟
كشف الخبير العسكري الأميركي سكوت ريتر – الضابط السابق في مشاة البحرية ومفتش الأسلحة في الأمم المتحدة – في مقابلة مطوّلة أُجريت يوم 25 أكتوبر 2025، عن قراءة شديدة التصعيد لمسار الحرب بين روسيا والغرب، مشيرًا إلى أنّ ما يحدث اليوم هو تحوّل خطير من حربٍ بالوكالة إلى مواجهةٍ مباشرة تُشارك فيها بريطانيا بعمق، بينما تتحضّر موسكو لردٍّ “قاسٍ وحاسم” قد يطال المصالح البريطانية في أوكرانيا.

ريتر، الذي اشتهر بانتقاداته للسياسات الأميركية والغربية تجاه روسيا، قال إنّ تقريرًا صادرًا مؤخرًا عن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) يشير إلى أنّ الاستخبارات البريطانية MI6 كانت وراء الهجوم الذي استهدف منظومة “الردع النووي الروسي” في يونيو 2025، مضيفًا أن نفس الجهة تقف وراء الضربة التي استهدفت مصنعًا كيميائيًا روسيًا في بريانسك بواسطة صواريخ “ستورم شادو” البريطانية. وأوضح أن هذه التطورات تأتي بالتزامن مع “تراجعٍ” في مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي انتقل – بحسبه – من السعي إلى تسويةٍ شاملة إلى طرح “وقف إطلاق نار شكلي” لا يُعالج جذور الأزمة.

ويعتبر ريتر أن بريطانيا أصبحت اللاعب الخفي في الحرب الأوكرانية، مشيرًا إلى أن MI6 منخرطة بشكل مباشر مع أجهزة كييف الأمنية والعسكرية منذ ما قبل بدء الحرب، وأنها اليوم “تتحكم فعليًا” في الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ليس فقط على المستوى الأمني، بل حتى في صياغة خطابه السياسي والإعلامي. ويصف المشهد العام في أوروبا بأنه “حملة علاقات عامة ضخمة”، هدفها “إظهار زيلينسكي كبطلٍ غربي”، بينما “الكثير من القادة الأوروبيين في الواقع لا يطيقونه” على حدّ تعبيره.

ويذهب ريتر أبعد من ذلك، متهمًا البريطانيين بالوقوف خلف التفجير الأولي على جسر كيرتش، ووراء “معظم العمليات الكبرى التي نفذتها أوكرانيا” ضد روسيا، بما في ذلك هجمات الطائرات المسيرة التي استهدفت منشآت استراتيجية حساسة داخل الأراضي الروسية. ويؤكد أن أوكرانيا “لا تمتلك البنية التحتية أو الخبرة التقنية” لتنفيذ عمليات بهذا العمق، وأن بريطانيا هي من نقلت القدرات التقنية والاستخباراتية اللازمة لتلك الهجمات. كما يربط بين لندن وتفجير خط أنابيب الغاز نورد ستريم، معتبرًا أن ما يحدث “ليس في فراغ”، بل “ضمن استراتيجية بريطانية – أميركية لإضعاف روسيا اقتصاديًا واستراتيجياً”.

ويشير ريتر إلى أنّ الروس “يدركون تمامًا” هذا الدور، وأنهم “يتابعون كل تفاصيله منذ البداية”، ما يجعل المرحلة المقبلة – بحسبه – مرشحة لـ “ردٍّ روسي كبير ومباشر” ضد المصالح البريطانية. ويحذر من أن تصريحات موسكو العلنية حول هذه الاتهامات تمهّد لعواقب خطيرة على أوروبا عمومًا وبريطانيا خصوصًا، خاصة بعد استخدام صواريخ “ستورم شادو” البريطانية لضرب أهداف طاقة استراتيجية داخل روسيا، وهو ما وصفه فلاديمير بوتين بأنه “تجاوز للخطوط الحمراء”.

ويؤكد ريتر أنّ بوتين أرسل رسالة واضحة: إذا استمرت أوكرانيا في استخدام الأسلحة الغربية لضرب العمق الروسي، فـ “النتائج ستكون كارثية على أوكرانيا وأوروبا معًا”. ويضيف أن تقرير الـFSB الأخير يمهّد للرأي العام الروسي وللنخبة العسكرية لتقبّل “ردٍّ حتميّ ومؤلم”.

وحين سُئل عن طبيعة الردّ، قال ريتر إن موسكو لن تتسرع في التصعيد النووي، لكنها قد تلجأ إلى “ضربةٍ محدودةٍ داخل أوكرانيا”، مركّزة على المواقع التي يُعتقد أنها تحتوي على خبراء ومستشارين بريطانيين أو على مراكز قيادة متصلة بالاستخبارات الغربية. ويشير إلى أن روسيا “ما زالت متحفظة في استخدام كامل قوتها”، لكنها قد تستعين بـ صواريخ كينجال وإسكندر لضرب أهداف عسكرية محددة “تشل القدرات البريطانية في أوكرانيا”، دون توسيع الحرب خارج حدودها.

ويضيف أن موسكو حتى الآن تجنبت استهداف جنود الناتو بشكل متعمد، لكنها قد تغيّر هذا النهج قريبًا. ويعتبر أن أي ضربة روسية ضد “بنيةٍ بريطانية داخل أوكرانيا” ستشكل نقطة تحوّل كبرى، لأن “بريطانيا حينها ستضطر إلى إعادة بناء قدراتها العسكرية هناك من الصفر، خاصة إذا عادت جثامين جنودها إلى لندن”.

أما على الصعيد السياسي، فيرى ريتر أن الولايات المتحدة فقدت البوصلة. ويقول إن تراجع ترامب عن إرسال صواريخ “توماهوك” لأوكرانيا لم يكن بسبب العوائق التقنية فحسب، بل لأن بوتين هدّده ضمنيًا بأن أي استهداف مباشر للكرملين قد يجعل “واشنطن العاصمة نفسها هدفًا للرد الروسي”. ويؤكد أن ترامب “فقد هيبته” بعد هذا التراجع، وبدلاً من امتلاك استراتيجية واضحة، لجأ إلى “العقوبات الاقتصادية” على الشركات الروسية الكبرى مثل روسنفت ولوك أويل، في محاولة لإضعاف الاقتصاد الروسي.

لكن ريتر يرى أن هذه الخطوة تعكس غياب الرؤية الاستراتيجية لدى ترامب، مؤكدًا أن العقوبات “ليست سياسة بل غياب للسياسة”، وأن موسكو “محصّنة اقتصاديًا” أكثر مما يعتقد الغرب. ويشير إلى أن العقوبات الجديدة تستهدف عمليًا شركاء روسيا في آسيا – خصوصًا الهند والصين – لمحاولة تقويض سوق الطاقة الروسي. غير أن نيودلهي وبكين، بحسبه، “ترفضان الإملاءات الأميركية” وتعتبران تأمين الطاقة الروسية “قرارًا سياديًا”.

ويقول ريتر إن الإعلام الغربي يُفسر “التباطؤ المؤقت” لبعض الشركات الهندية والصينية بأنه “تراجع”، بينما الواقع عكس ذلك تمامًا: الهند في سبتمبر الماضي اشترت كميات قياسية من النفط الروسي، والصين وقّعت اتفاقيات طاقة طويلة المدى مع موسكو. ويعلّق ساخرًا: “أوروبا التي كانت تراهن على سحق الاقتصاد الروسي، انتهى بها الأمر هي المنهارة اقتصاديًا، بينما روسيا تواصل الصمود”.

وفي مقارنة لافتة، يستعيد ريتر أزمة النفط عام 2020 حين حاولت السعودية الاستحواذ على حصة روسيا في السوق خلال جائحة كورونا، فكان الرد الروسي حازمًا، وانتهت الأزمة باتفاقٍ لمصلحة موسكو. ويستخلص أن روسيا “تعرف كيف تدير معارك الطاقة أكثر من الغرب نفسه”، مؤكدًا أن “من يملأ خزان الوقود لا يفهم السوق أكثر من الذي يملك محطة البنزين”.

ثم ينتقل إلى الحديث عن التسوية السياسية المزعومة التي نقلها رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو، والتي قال فيها إن ترامب عرض على بوتين صفقةً تقضي بضمّ لوغانسك ودونيتسك لروسيا، مقابل تجميد خطوط الجبهة في خيرسون وزابوروجيا. ويقول ريتر إن بوتين “قد يكون وافق مبدئيًا” على بحثها، لكن ترامب “لم يعد” لمتابعتها، ما جعله يفقد مصداقيته أمام موسكو.

ويفنّد ريتر فكرة “تجميد الصراع”، مؤكدًا أن الدستور الروسي يمنع أي تنازلٍ عن أراضٍ روسية حتى من جانب الرئيس نفسه، لأن أي خطوة من هذا النوع تتطلب موافقة البرلمان والشعب. ويضيف أن بوتين الذي يحظى بأكثر من 80% من الدعم الشعبي “لن يخاطر بمصداقيته” عبر القبول بصراعٍ مجمّد.

ويختتم ريتر بأن أوروبا محاصرة بخياراتها الخاطئة، إذ استثمرت نخبها السياسية والاقتصادية كل رأس مالها في دعم أوكرانيا، ما يجعل التراجع الآن “انتحارًا سياسيًا واقتصاديًا”. ويصف القيادة الأوروبية بأنها “رهينة الغباء والفراغ الفكري والطمع”، ويؤكد أن استمرارها في التصعيد ضد روسيا لا يقوم على استراتيجية بل على الخوف من الاعتراف بالفشل.

في المقابل، يرى ريتر أن روسيا تستعدّ لتحوّلٍ نوعي في تكتيكها العسكري داخل أوكرانيا، سيرسل “رسالة عقابية لبريطانيا”، دون أن يتجاوز السقف النووي. ويختم قائلًا: “روسيا تعرف ماذا تريد، بينما واشنطن وأوروبا لا تعرفان حتى ماذا تفعلان”.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر تبدي استياءها من تحويل باريس لاتفاقيات 1968 إلى ورقة انتخابية

أعرب وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف عن استياء الجزائر من تصويت البرلمان الفرنسي ضد اتفاقيا…