‫الرئيسية‬ الأولى واشنطن تبحث عن البقاء… بالحرب!
الأولى - الدولي - مقالات - ‫‫‫‏‫16 ساعة مضت‬

واشنطن تبحث عن البقاء… بالحرب!

واشنطن تبحث عن البقاء… بالحرب!
تُظهر التحولات الجيوسياسية الأخيرة أن الولايات المتحدة، القوة الأكثر نفوذًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تعيش مرحلة ارتباك استراتيجي حاد، في ظل صعود قوى كبرى جديدة مثل الصين وروسيا والهند. هذا التراجع النسبي يدفع واشنطن—وفق العديد من المدارس النقدية في العلاقات الدولية—إلى التشبث بأدواتها التقليدية للحفاظ على النفوذ، وعلى رأسها التحكم في مصادر الطاقة والمواد الأولية والممرات الجيوستراتيجية.

ففي أوكرانيا، سعت الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الغربيون إلى توسيع مجال النفوذ باتجاه الحدود الروسية، في محاولة لخلق واقع جيوسياسي جديد يحدّ من القوة الروسية الصاعدة. غير أن موسكو قلبت المعادلة بدخولها في حرب مفتوحة، ما أدى إلى كسر كثير من الرهانات الغربية، وجرّ القارة الأوروبية إلى أزمة اقتصادية وأمنية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة. ويذهب بعض المحللين إلى أنّ هذا التصعيد كان جزءًا من سباق طويل للسيطرة على مناطق ذات ثروة طبيعية هائلة تمتد حتى المحيط المتجمد الشمالي، حيث تتوقع التقارير الدولية أن تتحول تلك المناطق إلى أكبر خزانات الطاقة والثروات المعدنية في القرن الحالي.

أما في الداخل الأمريكي، فلا يُظهر السلوك الخارجي اختلافًا كبيرًا بين إدارة وأخرى، فسواء كان الرئيس ديمقراطيًا مثل جو بايدن أو جمهوريًا مثل دونالد ترامب، يبقى الهدف واحدًا: الحفاظ على التفوق الجيوسياسي عبر الأدوات العسكرية والاقتصادية، وإن اختلفت أساليب التنفيذ. فترامب مثلًا لم يُخفِ رغبته في إعادة تسمية وزارة الدفاع بـ«وزارة الحرب»، وهي إشارة رمزية تعبّر عن نظرته المباشرة والعدوانية للعالم.

ويشير مراقبون إلى أنّ الولايات المتحدة لا تتردد في استهداف دولٍ غنية بالموارد تحت ذرائع مختلفة، مثل فنزويلا التي تتهمها واشنطن بتصدير المخدرات، في حين يرى كثير من المحللين أن الأمر يرتبط أساسًا بامتلاكها أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم. الأمر نفسه ينطبق على نيجيريا، إحدى أهم الدول الإفريقية في احتياطي النفط والغاز، والتي باتت ضمن دائرة اهتمام واشنطن الطاقوية.

لكن المفارقة الكبرى—بحسب محللين عالميين—أن الولايات المتحدة ورغم قوتها العسكرية الهائلة، تجد نفسها تاريخيًا غير قادرة على حسم الحروب، فقد خرجت من فيتنام بخسارة استراتيجية، وتعثرت في العراق، وانسحبت من أفغانستان تحت ضغط الزمن والشارع، وتعيش اليوم في أوكرانيا أكبر إخفاق جيوسياسي منذ عقود، بعدما صمدت روسيا وفرضت معادلة جديدة لم تكن واشنطن تتوقعها.

ويعتقد الكثير من الخبراء أنّ أمريكا تواجه للمرة الأولى في تاريخها منافسين يمتلكون القدرة الفعلية على ردعها وربما تهديد وجودها الاستراتيجي، وهو ما عبّر عنه قادة روسيا والصين بوضوح في خطاباتهما الأخيرة، حين تحدثوا عن لحظةٍ حاسمة أمام البشرية: إما العودة إلى طاولة السلام، أو الانزلاق نحو مواجهة خطيرة.

هذا المأزق يجعل الولايات المتحدة تبحث عن ساحات أخرى لتعويض فشلها في حروب كبرى، عبر افتعال توترات أو دعم انقلابات أو الضغط على دول أقل قوة. لكنّ هذا النهج لم يعد مضمونًا كما كان، لأن العالم تغيّر، ومراكز القوة الجديدة باتت ترفض الخضوع لإرادة قطب واحد، فيما تتشكل تحالفات دولية واسعة تُعيد رسم الخريطة الجيوسياسية.

ورغم الثقة الكبيرة التي يروّج لها الخطاب السياسي الأمريكي، فإنّ بعض القرارات أثبتت محدودية القوة الأمريكية في مواجهة القوى الصاعدة، ومنها الحرب التجارية مع الصين، التي ارتدّت سلبيًا على الاقتصاد الأمريكي وعلى المزارعين بشكل خاص، ما اضطر إدارة ترامب إلى طلب تعاون عاجل من بكين لشراء منتجات زراعية ومواد طاقوية أمريكية. كما تعتمد الولايات المتحدة بشكل شبه كامل على الصين في مجال المعادن النادرة الضرورية لصناعة التكنولوجيا المتقدمة، وهي ورقة ضغط استراتيجية أظهرت هشاشة السلسلة الصناعية الأمريكية.

كل هذه المعطيات تدفع كثيرًا من الباحثين إلى القول إنّ واشنطن تحاول اليوم—والخوفُ أُسّ منطقها—اللجوء أكثر فأكثر إلى إذكاء النزاعات وإحياء نموذج الحروب بالوكالة، أملاً في الحفاظ على دورها. غير أنّ العالم يقف أمام مرحلة جديدة كليًا، حيث الشعوب والقوى الإقليمية باتت تملك من أدوات الردع ما ينسف فكرة الهيمنة الأحادية التي حكمت العالم لعقود طويلة.

وفي ظل هذا التحوّل العميق، تبدو واشنطن على أعتاب اختبار تاريخي: إما أن تعترف بأن العالم أصبح متعدد الأقطاب وتبحث عن تسويات تحفظ لها مكانًا دون فرض هيمنتها، أو أنّها ستغامر بالدخول في صراعات جديدة قد تنقلب عليها وتدفعها نحو مسار انحدار أسرع مما تتوقعه مؤسساتها الاستراتيجية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

إسبانيا تحذّر: أي اختراق مروكي لأجواء الصحراء الغربية سيُواجَه عسكريًا

يتباهى نظام المخزن المروكي ليل نهار بأن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من “ترابه”، ويقدّم هذ…