“الناتو العربي”.. بين الحقيقة و الخيال
تروج مصادر إعلامية مصرية عديدة لفكرة تأسيس حلف عسكري دفاعي عربي، أو ما يُطلق عليه البعض “الناتو العربي”، وسط حديث عن إمكانية طرح المبادرة خلال القمة العربية الطارئة المرتقبة في قطر، والتي دُعي إليها بعد الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة واستهداف الوفد المفاوض من قيادة حركة حماس.
غير أن هذه القضية لا تزال يكتنفها الكثير من الغموض؛ فلا أحد يعرف أسرارها كاملة، ولا الأسباب التي حالت دون تدخل الدفاعات الأمريكية المنتشرة في المنطقة لمواجهة الطائرات الإسرائيلية، كما لا يُعرف لماذا لم تتحرك أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في قطر ضد الهجوم، أو حتى على الأقل تُنبه القيادة القطرية قبل وقوع الكارثة. أسئلة كثيرة تبقى عالقة بلا جواب.
إسرائيل من جهتها أعلنت بوضوح أنها ستقصف قطر مرة أخرى، وذهبت أبعد من ذلك بتهديد مصر وأي دولة تستضيف حركة حماس فوق أراضيها بعد انتهاء مهمتها، متهمة الحركة بأنها تسببت في تفكيك حركة فتح، والقضاء على مشروع الدولة الفلسطينية، وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة الذي كان يُنتظر أن يستقبل مطار السلطة الفلسطينية وميناء الدولة المستقلة.
بعض الإعلاميين المصريين اختصروا النقاش في القول إن الخلاف الجزائري-المغربي سيكون عائقًا أمام “الناتو العربي”، من دون أن يتعمقوا في طبيعة الخلاف ولا في خطورته، ولا في استحالة جمع الجزائر والمغرب وبعض الدول العربية الأخرى في حلف واحد. فكل حلف عسكري في العالم يقوم وجوده على تحديد عدو مشترك تتم مواجهته. أما في حالة ما يُسمى بـ”الناتو العربي”، فالأمور غير واضحة، إذ كيف يمكن أن يُوجّه ضد إسرائيل، في وقت ترتبط بعض الدول العربية بعلاقات عسكرية أو أمنية سرية معها؟ أليس هذا هراءً بل وخطرًا على أمن بقية الدول؟
الإعلام المصري يتناول المسألة بسطحية وينسى التاريخ. ومن الواجب تذكيره بأن الجيش الجزائري شارك بكل ثقله المادي والبشري في حرب أكتوبر 1973، وسقط شهداء جزائريون على أرض مصر، ولا تزال مقبرة الشهداء الجزائريين في مدينة الإسماعيلية شاهدة على ذلك. ومع ذلك، قررت القيادة المصرية، بقيادة أنور السادات، التوجه إلى إسرائيل وعقد اتفاقية كامب ديفيد، دون أن تُعلم الجزائر أو تُراعي تضحيات أبنائها. اتفاقية كامب ديفيد ما تزال سارية إلى اليوم، بل توسعت في ثوب جديد عبر “اتفاقيات أبراهام” التي ترعاها الولايات المتحدة.
وإذا انتقلنا إلى القمة العربية-الإسلامية، فسنجد أن تركيا عضو فيها، وهي أول دولة إسلامية أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل، وما زالت تربطها بها علاقات اقتصادية وتجارية قوية، فكيف يُعقل أن تكون ضمن “ناتو عربي” يُفترض أن يُعادي إسرائيل؟ وهناك أيضًا دول إسلامية أخرى لديها علاقات مميزة مع تل أبيب وواشنطن، مما يزيد من تعقيد المعادلة.
إشكالية تأسيس قوة عسكرية عربية مشتركة تعترضها مصائب عديدة. فكيف يمكن لحلف عربي أن يواجه إسرائيل عسكريًا، في حين أن الأردن، مثلا، يرتبط بعلاقات وثيقة مع تل أبيب، ويقوم قادته بزيارات علنية وسرية للقاء نظرائهم الإسرائيليين، الذين يُفترض أن يكونوا “العدو” في حال قيام هذا الحلف؟
الواقعية تفرض القول إن ما قد يكون ممكنًا هو تحالف عسكري محدود بين دول معينة، كما يروج حاليا عن تحالف سعودي مع أطراف مختارة. أما الحديث عن “ناتو عربي” يشمل الدول العربية كافة، ويوجه قوته ضد إسرائيل والغرب، فذلك لا يعدو أن يكون ضربًا من الخيال وأحلامًا طوباوية لا أساس لها في الواقع.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تأسيس جمهورية “البريزيدان” الفدرالية …
صراحة، عندما قرأت تصريح فرحات مهني في باريس وهو يتحدث عن إعلان “جمهورية قبائلية فدرالية”، …







