‫الرئيسية‬ الأولى دريانكور يفقد السيطرة.. حملة تشويه هستيرية ضد الجزائر!
الأولى - الوطني - ‫‫‫‏‫يوم واحد مضت‬

دريانكور يفقد السيطرة.. حملة تشويه هستيرية ضد الجزائر!

دريانكور يعلن الحرب على الجزائر
قدّم السفير الفرنسي الأسبق في الجزائر، كزافيي دريآنكور، في مداخلة صبيحة اليوم على أمواج إذاعة أوروبا 1 سلسلة من التصريحات التي بدت منذ اللحظة الأولى مصاغة بعناية لتقديم صورة مبهمة ومشوّشة عن الجزائر، مستنداً إلى خليط من الوقائع غير الدقيقة والتحليلات المشحونة والتعليقات الانفعالية. ورغم أنه شغل منصب سفير فرنسا في الجزائر لمرتين، فإن ما عبّر عنه بدا أقرب إلى خطاب سياسي مؤدلج منه إلى قراءة دبلوماسية رصينة، إذ انطلق من قضية الكاتب بوعلام صنصال ليحوّلها إلى منصة لتوجيه انتقادات حادة للجزائر، وتوصيفات تعكس أكثر رغبة في التأثير على الرأي العام الفرنسي من تقديم حقيقة موضوعية.

استهل دريانكور حديثه بالإشارة إلى “غموض” أحاط بوضع بوعلام صنصال بعد الإفراج عنه، مستنداً إلى تصريح ابنته التي قالت إنها لم تتمكن من الاتصال به. ثم عاد ليعترف بأن وجود صنصال في المستشفى العسكري الألماني “لا شاريتيه” هو ما جعل التواصل محدوداً، وأن احتضان السفارة الفرنسية له لاحقاً في مقر إقامة السفير ببرلين هو إجراء طبيعي يهدف إلى توفير بيئة آمنة إلى غاية تنظيم ترتيبات خروجه. ورغم هذه التوضيحات، حاول الحفاظ على نبرة الشك عبر الإيحاء بأن الوضع ربما كان أكثر تعقيداً، ملمحاً إلى احتمال زيارة الرئيس الفرنسي له أثناء زيارته المرتقبة إلى ألمانيا أو إعادته معه، دون أن يقدم أي تفاصيل إضافية، مكتفياً بترك الباب مفتوحاً أمام التأويلات.

وانتقل السفير الأسبق إلى التعليق على توصيف وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز لخطوة الإفراج بأنها “بادرة إنسانية”، ليرفض هذا التوصيف بشكل قاطع، قائلاً إن “لا إنسانية لدى الجزائريين ولا لدى الرئيس تبون”، مضيفاً أن الجزائر تعيش، حسب فهمه، “كارثة سياسية واقتصادية ودبلوماسية”، وأنها “هُزمت في الأمم المتحدة” في ملف الصحراء الغربية. واستمر في تقديم صورة قاتمة، عبر القول إن “جميع المعارضين في السجن”، مستشهداً بما قال إنه حكم بالسجن سبع سنوات على مدير “الأناب” بعد ثمانية أشهر فقط من توليه المنصب، مستعملاً هذا المثال لتأكيد رؤيته للوضع الداخلي في الجزائر!. لكنّ أغرب ما قاله دريانكور، وأكثره تهافتاً، كان الخلط الفاضح بين مؤسستي وكالة الأنباء الجزائرية APS والوكالة الوطنية للنشر والإشهار ANEP، إذ قدّم ما حدث في الثانية على أنه حدث في الأولى، رغم أن أي شخص ملمّ بقطاع الإعلام يعرف الفارق الكبير بين المؤسستين، من حيث المهام والهيكلة والدور. أما المتابعون قضائياً، فهم إطارات في ANEP وليس في APS، وهو خطأ لا يمكن أن يقع فيه سفير سابق عاش سنوات داخل الجزائر، مما يجعل هذا الخلط أقرب إلى التعمد منه إلى السهو.

كما أن حديثه عن “المعارضين في السجون” قدّم صورة مقلوبة تماماً للواقع، لأن من هم محل متابعة قضائية في الجزائر ليسوا معارضين سياسيين، بل عناصر تنتمي إلى تنظيمات مصنّفة قانونياً ضمن قوائم الإرهاب، مثل “رشاد” و“الماك”، وكلتاهما حركتان اتُّهمتا بترويج خطاب تحريضي، وبالمساس بأمن الدولة ووحدتها. في هذه النقطة أيضاً، لم يكن دريآنكور ينقل حقيقة، بل كان يقدّم خلطاً منهجياً بين العمل السياسي المشروع وبين النشاط التحريضي أو الانفصالي.

وفي حديثه عن الصحراء الغربية، مضى السفير السابق في تقديم قراءة منحازة للقرار الأخير لمجلس الأمن، إذ اعتبره “هزيمة للجزائر”، مع أن الجزائر ليست طرفاً في النزاع أساساً، وأن القرار لم يذهب في اتجاه فرض أي حل، بل أشار إلى أن مقترح الحكم الذاتي يمكن أن يكون قاعدة لبدء المفاوضات، دون أن ينسف حق تقرير المصير الذي يُعد الأساس القانوني في الملف منذ عقود. ورغم أن النص الأممي واضح، فإن دريانكور اختار تقديمه بطريقة تخدم سرديته القائلة بأن الجزائر “تراجعت دبلوماسياً”.

ولم يكتف بذلك، بل تحدث عن “انهيار” التعاون الأمني بين الجزائر وفرنسا، مستنداً إلى طرد الجزائر لبعض الموظفين الأمنيين الفرنسيين، مقدماً ذلك وكأنه دليل على قطيعة كاملة، دون الإشارة إلى أن الأمن والتعاون فيه يخضع قبل كل شيء لأولويات الدولة وسيادتها، وليس لرغبات أي طرف خارجي. وبدا واضحاً في هذا الجزء من حديثه أنه يقدّم سردية أقرب إلى خطاب داخلي فرنسي يستعمل الجزائر كمنصة لصياغة مواقف سياسية، لا كقراءة موضوعية للعلاقات الثنائية.

وما لفت الانتباه أكثر من كل ما قاله هو الطريقة التي قدّم بها مواقفه، إذ ظهر وكأنه يكرر خطاباً جاهزاً، محملاً بجمل قاطعة واتهامات حادة، حتى بدا لكثير من المتابعين وكأنه لا يتحدث بلسان دبلوماسي سابق يفترض فيه التحفظ والدقة، بل بلسان ماكينة إعلامية ذات توجه معين، حتى لكأنه “مدير أخبار الحركى 2.0”، كما وصفه البعض ممن تابعوا تدفق أفكاره في الحوار. فبين التحريف والخلط وتقديم نصف الحقائق، بدا أن هدفه لم يكن تقديم قراءة باردة ومعمّقة، بل صياغة رواية سياسية هجومية تستجيب لخطاب داخلي فرنسي يعيد بين الحين والآخر استخدام الجزائر كواجهة خطابية.

إن الحديث الذي قدّمه دريآنكور لم يكن مجرد تحليل دبلوماسي، بل كان خطاباً موجهاً يخلط بين مؤسسات، ويحرّف سياقات، ويقدّم تنظيمات إرهابية على أنها معارضة سياسية، ويحاول تفسير قرارات أممية خارج نصوصها، إضافة إلى توجيه انتقادات مباشرة لشعب ورئيس دولة بكلمات لا تليق بمن شغل منصباً دبلوماسياً رفيعاً. وهي كلها عناصر تكشف أن ما قاله السفير الأسبق لم يكن عن الجزائر بقدر ما كان عن حاجة خطاب سياسي فرنسي، منهك داخلياً، للبحث عن مساحات خارجية يسكب فيها توتراته ويعيد من خلالها تعريف معاركه الرمزية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر تحذّر في مجلس الأمن.. تجفيف التمويل هو مفتاح هزيمة الإرهاب

قدّمت الجزائر عبر ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، رؤية دقيقة ومفصلة …