‫الرئيسية‬ الأولى رواية «أهداب الصبح» لوفاء خالد… شهادة أدبية على وجع جيل وحلم وطن
الأولى - فنون وثقافة - 3 نوفمبر، 2025

رواية «أهداب الصبح» لوفاء خالد… شهادة أدبية على وجع جيل وحلم وطن

رواية «أهداب الصبح» لوفاء خالد… شهادة أدبية على وجع جيل وحلم وطن
تقدّم الكاتبة الجزائرية وفاء خالد في روايتها الأولى «أهداب الصبح» عملاً روائياً يقترب من بنية التقرير الاجتماعي أكثر مما يقترب من الحكاية التقليدية، إذ تنفذ من خلاله إلى عمق التجربة الجزائرية الحديثة، مستحضرةً مسار جيل نشأ وسط العنف خلال «العشرية الحمراء» ثم وجد نفسه في مواجهة واقع اجتماعي وسياسي معقّد. وتمثل الرواية، التي تدور أحداثها في مدينة قسنطينة، محاولة لرصد تحولات مجتمع عاش انتقالاً حاداً من زمن الدم إلى زمن الإحباطات الجديدة، عبر قصة حب تكشف التصدعات التي خلّفتها سنوات طويلة من الخوف والاضطراب.

وتقدّم الرواية مدينة قسنطينة ليس كفضاء مكاني فحسب، بل كعنصر أساسي في بناء الحكاية، إذ تظهر المدينة كشخصية مرافقة للأبطال، تحتضن تفاصيل حياتهم اليومية وتعبّر في ملامحها عن التحولات التي شهدتها الجزائر على امتداد ثلاثة عقود. وفي هذا الإطار، توظّف الكاتبة قصة حب بين شابين لتقديم مقاربة إنسانية لمعاناة جيل كامل، حيث يتحول هذا الحب إلى شكل من أشكال المقاومة في وجه الظروف القاسية، وإلى صوت يواجه صمتاً طويلاً فرضته سنوات العنف.

وتتطرق وفاء خالد في روايتها إلى مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية التي لا تزال حاضرة بقوة في المجتمع الجزائري، من بينها الهجرة غير الشرعية، البطالة، العنوسة، الطلاق، واتساع فجوة الطموحات في ظل الأزمات المتلاحقة. وتظهر هذه القضايا عبر شخصيات متعدّدة ترسم في مجملها صورة واقعية لمجتمع يتأرجح بين الرغبة في التغيير وثقل الماضي، كاشفةً عن تداخل المأساة الفردية مع المأساة الجماعية داخل سياق واحد يعكس تحديات الحياة اليومية.

ويتميّز أسلوب الرواية بالبساطة والوضوح، مع اعتماد لغة سلسة قريبة من نبض الناس، بعيدة عن المبالغة، ما يمنح النص طابعاً واقعياً ينقل القارئ إلى تفاصيل الحياة التي يوثقها العمل. كما يبرز في خلفية السرد وعي ثقافي واضح لدى الكاتبة، التي توظف الرموز والإيحاءات لقراءة التحولات العميقة التي عرفها المجتمع الجزائري خلال العقود الأخيرة، مانحةً الرواية بعداً يتجاوز الحكاية المباشرة نحو تأمل أشمل في الذاكرة الجماعية.

وصدرت الرواية في طبعتين متتاليتين: الأولى عن دار بهاء الدين للنشر والتوزيع في مارس 2022، والثانية عن دار كلاما للنشر والتوزيع في جوان 2024، ما يعكس الاهتمام القرائي الذي حظيت به منذ صدورها. وتأتي هذه الاستجابة في سياق قدرة العمل على طرح أسئلة مرتبطة بالواقع اليومي، وتقديم قراءة أدبية لتجربة اجتماعية ما تزال آثارها ماثلة في حياة الجزائريين.

وتنتمي الكاتبة وفاء خالد، المولودة في قسنطينة عام 1982، إلى جيل عاش التحولات عن قرب. وهي متحصلة على شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي من جامعة قسنطينة سنة 2003، وتعمل أستاذة للغة الإنجليزية في قطاع التعليم. كما نشرت نصوصاً نثرية وقراءات نقدية في صحف جزائرية ومواقع عربية، وساهمت بمقالات فكرية وثقافية في مجلة «انزياحات» التابعة لوزارة الثقافة.

وتؤكد رواية «أهداب الصبح» حضوراً أدبياً واعداً لوفاء خالد، من خلال عمل يجمع بين توثيق الذاكرة وتفكيك التحولات الاجتماعية والإنسانية. وتطرح الرواية سؤالاً مفتوحاً حول قدرة الحب والأمل على البقاء في وطن لا تزال الفجوة فيه واسعة بين الحلم والواقع، مقدّمة صورة مكثفة لجيل يبحث عن صبحٍ يتأخر لكنه لا يغيب.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

«وكتبت بعطرها»… ديوان يمزج بين الكلمة والعطر في تجربة شعرية حسّية فريدة

تدخل الكاتبة الجزائرية أميمة حمزاوي المشهد الأدبي من أوسع أبوابه عبر إصدارها الشعري الأول …