‫الرئيسية‬ الأولى زيمور و”الجزائر الانتخابية”
الأولى - الافتتاحية - ‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

زيمور و”الجزائر الانتخابية”

زيمور و"الجزائر الانتخابية"
ظهر إيريك زيمور على قناة BFMTV وكأنه يقدم الحلقة رقم ألف من نفس العرض، الجزائر هنا، والهجرة هناك، وبينهما خطاب مُعلّب لا يحتاج إلى تفكير. الرجل لا يبدأ الجملة… إلا بعد أن يمرّ اسم الجزائر في ذهنه أولاً. قال “غزو منظّم”. عبارة تُشبهه تماماً، عالية في الصوت، قليلة في العقل.

لكن الحقيقة ليست في كلامه، بل في ما قاله وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف قبل أيام، عندما علّق على إلغاء اتفاقية 1968 قائلاً: “تصويت البرلمان الفرنسي شأنٌ فرنسي داخلي”، ثم أضاف الجملة التي وضعت إصبعاً على الجرح الفرنسي: “نأسف لرؤية الجزائر تُستخدم كمادة للتنافس الانتخابي داخل فرنسا”.

هذه الجملة، وحدها، تشرح زيمور. وتشرح عائلته السياسية التي صنعت “صناعة كاملة” من استعمال الجزائر كلوحة إشهارية محلية. وتشرح كيف أصبحت الجزائر جزءاً من الحملات قبل أن تصبح جزءاً من الأخبار.

زيمور لا يرى الجزائر دولة. يراها أداة، زرّاً، حبة تنشيط سياسي تُستعمل عندما ينخفض مستوى الأدرينالين الانتخابي. كلما شعر بأنه يتلاشى في استطلاعات الرأي… فتح ملف الجزائر. تماماً كما فتحه قبله كثيرون، من أقصى اليمين إلى أقصى الشعبوية.

أما حديثه عن “غزو”، فهو مشهد هوليوودي أكثر مما هو تحليل. كأن الجزائر تشرف على رحلات البحر، وكأن فرنسا بلا حدود، وكأن باريس بلا شرطة، وكأن الضواحي تتحرك بأوامر من وزارة الداخلية الجزائرية. زيمور يختصر فرنسا كلها في رواية من سطرين: “هم يغزون… ونحن نقاتل”. هكذا… بمنتهى البساطة التي لا تليق إلا بخطاب انتخابي بلا عمود فقري.

ثم ينتقل إلى كلمة “حضارة”. كلمة يستخدمها مثل طابع بريد… يلصقه على أي خطاب فارغ ليبدو مهمّاً. كلمة حضارة عنده ليست مفهوماً… بل زينة لغوية يُخفي بها نقص التحليل. كلما ضاعت منه الفكرة، رفع كلمة “حضارة” كأنها صاعق إنذار.

المشكلة ليست في أنه يقول هذا الكلام… بل في أنه يكرره كلما احتاج لجرعة من الضوء. وكأن الجزائر بطارية شحن للسياسيين المتطرفين. هذا ما قاله عطّاف: ليست الجزائر المشكلة، بل استعمال الجزائر كأداة داخلية فرنسية خالصة. وقد لخصها الرجل بأسلوب دبلوماسي… بينما الواقع يحتاج أكثر من ذلك بكثير.

الجزائر لا ترد على زيمور لأنها لا تعتبره طرفاً في علاقة دولية. هو جزء من مشهد آخر، مشهد سياسي فرنسي يبحث عن مشجب يعلق عليه فشله في معالجة قضاياه الداخلية. ولأن الهجرة عقدة فرنسية… أصبحت الجزائر ذريعة جاهزة، تماماً مثل الإسلام، والضواحي، والذاكرة الاستعمارية.

ولأن زيمور لا يقرأ جيداً، نختم له بالعبارة التي تلخصه دون حتى ذكر اسمه، الجزائر ليست مشكلة السياسة الفرنسية… السياسة الفرنسية هي التي صارت عاجزة لدرجة أنها لا تعمل إلا إذا ضُغط زرّ “الجزائر”.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

العدد 86 من يوميـــــة “المؤشر” 25|11|2025