‫الرئيسية‬ الأولى صنصال… أداة رخيصة في لعبة قذرة!
الأولى - الافتتاحية - الوطني - 9 يوليو، 2025

صنصال… أداة رخيصة في لعبة قذرة!

صنصال... أداة رخيصة في لعبة قذرة!
ليس غريبًا أن يعود الحديث عن الجزائر إلى واجهة الإعلام الفرنسي كلما أصرّت على ممارسة سيادتها بلا خجل، وكلما اختارت أن تقف شامخة في وجه الضغوط، مهما تلونت، ومهما حملت من شعارات عن “الحرية” و”التسامح” و”الفكر”. لكن الغرابة — بل الوقاحة السياسية — أن تتحول قضية فردية، تخص كاتبًا معروفًا بعدائه المزمن لبلده، إلى ذريعة جديدة لتصفية الحسابات، وتغطية الانزلاقات الخطيرة التي تورّطت فيها باريس إقليميًا وديبلوماسيًا.

بوعلام صنصال، الذي كان يومًا مجرد “قلم أدبي متمرد”، تحوّل اليوم إلى أداة رخيصة في لعبة قذرة، تُدار من خلف الستار، تارة باسم “حرية التعبير”، وتارة باسم “الانفتاح الثقافي”، بينما الهدف الحقيقي واضح، التشويش على خيارات الجزائر السيادية، وضرب صورتها أمام العالم، واستغلال فئة من “النخبة المروّضة” في الداخل والخارج لتأدية الدور المطلوب عند كل أزمة.

مقال السفير الفرنسي الأسبق وصاحب السوابق الفضائحية في الجزائر، كزافييه دريانكور، والمنشور في Le Journal du Dimanche، لا يمكن قراءته بمعزل عن هذا السياق. فهو لا يُدافع عن كاتب، بل يهاجم الدولة الجزائرية عبر هذا الكاتب. يصوّره رهينة، ويصف قضيته كأنها عنوان لانهيار العلاقات الثنائية، في استحضار مغشوش لمظلومية لا أساس لها.

لكن الواقع يقول شيئًا آخر، الجزائر لا تحتاج إلى تبرير موقفها، ولا إلى شرح قراراتها القضائية، فصنصال — بغض النظر عن هويته الثقافية — مواطن جزائري يُحاسَب بقانون بلاده، لا بقلم مستشرق في باريس. لا أحد فوق القانون، ولا أحد يُعفى من المساءلة إذا تورّط، حتى ولو كان يحمل في جيبه دعوات ندوات أوروبية، أو صورًا في مهرجانات الفرنكوفونية.

ما يحاول الخطاب الفرنسي إخفاءه هو أن الأزمة الحقيقية ليست في سجن كاتب، بل في أن الجزائر رفضت الصمت بعد أن قرّرت فرنسا، في خطوة أحادية واستفزازية، الاعتراف بما يُسمّى “مغربية” الصحراء الغربية، متحدّيةً كل القرارات الأممية، ومتجاهلةً موقف الجزائر المبدئي، الذي لا يقبل المساومة في قضايا تقرير المصير.

رد الفعل الجزائري كان سياديًا، واضحًا، صريحًا. ولم يكن لينال هذا القدر من الانزعاج في باريس، لولا أن الجزائر لم تعد تكتفي بالاستياء الصامت، بل صارت تُعبّر عن رفضها علنًا، وتُعيد تشكيل علاقاتها الخارجية بما يخدم مصالحها، لا إملاءات الآخرين.

في خضم كل هذا، يظهر اسم صنصال ليؤدي وظيفة سياسية، لا فكرية. لم يُسجن لأنه كتب رواية، بل لأنه انخرط في سرديات تمسّ مباشرة شرعية الدولة، واصطفّ بوضوح مع خطاب فرنسي استعلائي، يرفض الاعتراف بتغير موازين القوى، ويبحث عن كبش فداء يسوّق عبره لأكذوبة: الجزائر تضطهد المثقفين!

يا سادة، الجزائر التي كانت بالأمس الحاضنة الكبرى لحركات التحرر في إفريقيا وآسيا، والتي وقفت في وجه أقوى منظومة استعمارية عرفها التاريخ، لن تُربكها مقالة في صحيفة، ولا بيان دبلوماسي مموّه بلغة النعومة. بلد المليون ونصف المليون شهيد لا يخشى من صوت مرتزق، ولا من “تقرير مسموم” يُكتب في بهو سفارة أو يُحرّر في نادٍ ثقافي مستنسخ من ذاكرة استعمارية لم تُدفن بعد.

إن ما يحدث اليوم هو اختبار حقيقي لنضج العلاقات الجزائرية–الفرنسية. وعلى باريس أن تختار، إما الاحترام المتبادل والابتعاد عن منطق الإملاء، أو الغرق في دوامة الندم السياسي الذي كلّفها كثيرًا في علاقاتها الإفريقية، ويبدو أنه سيتكرر على أبواب الجزائر إن لم تستفق.

صنصال ليس إلا تفصيلًا صغيرًا في مشهد أكبر. أما اللعبة القذرة التي تحركها بعض الأوساط الفرنسية باسم “القيم”، فمكشوفة، ورائحتها فاحت، ولن تغيّر من ثبات الجزائر، التي لن تساوم على سيادتها، لا باسم الأدب، ولا باسم العلاقات الثنائية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

العدد 86 من يوميـــــة “المؤشر” 25|11|2025