هل يدفع ماكرون فرنسا نحو الحرب؟
تتوسع المخاوف داخل الأوساط السياسية والإعلامية في أوروبا بعد إعلان باريس نيتها تسليم نحو مائة طائرة «رافال» إلى أوكرانيا، في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية. وجاء القرار خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى العاصمة الفرنسية، في وقت كانت كييف تعيش على وقع فضيحة سياسية كبيرة، بعدما هزّت تهم الفساد أركان حكومتها وأدت إلى استقالة مسؤولين بارزين، من بينهم وزير الطاقة ووزيرة الدفاع، وسط احتجاجات في الشارع تتهم القيادة الأوكرانية بسوء إدارة الأموال الأوروبية المخصّصة للمساعدات العسكرية والاقتصادية.
وتُقدّر قيمة الصفقة بنحو عشرة مليارات دولار، وقد أثارت ردود فعل حادة داخل فرنسا، حيث يرى جزء من المعارضة أنّ العملية تُموَّل عملياً من أموال دافعي الضرائب الفرنسيين، وأنّها تأتي في ظرف اقتصادي حساس يزداد فيه الضغط على الأسر الفرنسية. ويذهب بعض المنتقدين إلى وصفها بـ«الصفقة غير العقلانية»، معتبرين أنها محاولة جديدة من الرئيس إيمانويل ماكرون لجرّ فرنسا إلى صدام مباشر مع روسيا، وهو ما يرونه «خطراً على المصالح الاستراتيجية للبلاد».
ويُجمع الطيف المعارض تقريباً على أنّ الرئيس الفرنسي يدفع بلاده نحو مواجهة عسكرية لا يدعمها الرأي العام، خاصة أنّ استطلاعات سابقة أظهرت أن أغلبية الفرنسيين لا تعتبر الحرب في أوكرانيا تهديداً مباشراً لمصالح فرنسا الحيوية. وتضيف هذه الأصوات أنّ باريس ليست قادرة – من الناحية العسكرية – على تحمل تبعات نزاع مفتوح مع موسكو، التي تملك قدرات تقليدية ونووية هائلة تجعل أي تصعيد معها محفوفاً بالمخاطر.
ويرى خبراء عسكريون أنّ تسليم طائرات «رافال» مزودة بصواريخ قادرة على بلوغ العمق الروسي قد يغيّر طبيعة النزاع، ولا يستبعدون أن تعتبر موسكو ذلك «تورطاً مباشراً» من فرنسا في الحرب. كما يحذّر هؤلاء من أنّ قدرة الرافال على إطلاق صواريخ بعيدة المدى مثل «سكالب» أو «تاوروس» قد تدفع روسيا إلى الرد بخطوات تصعيدية، سواء عبر استهداف المصالح الفرنسية في الخارج، أو عبر إجراءات عسكرية تعتبرها باريس «عملاً عدائياً»، وهو ما نبّهت إليه موسكو أكثر من مرة في تصريحاتها الرسمية.
وتعتبر المعارضة الفرنسية أنّ ماكرون «يفتح النار على بلاده» بوضعها في مواجهة مباشرة مع القوة الروسية، في حين يرى جزء كبير من الفرنسيين – بحسب التغطيات الإعلامية الداخلية – أنّ النزاع الأوكراني لا يمسّ الأمن القومي الفرنسي بصورة تستوجب هذا الانخراط العسكري المكلف. كما تتهم بعض الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي دولاً بعينها بالدفع نحو مواجهة خطيرة مع موسكو دون تقدير كافٍ لعواقبها الاستراتيجية والأمنية، في ظل استمرار الدعم المالي الهائل لكييف التي تعتمد بشكل متزايد على المساعدات الغربية لتسيير شؤونها.
ويذهب محللون إلى أنّ قرار ماكرون يحمل أيضاً بُعداً اقتصادياً، إذ يأتي في ظل الجدل الذي رافق صفقات «رافال» السابقة، خاصة بعد الانتقادات التي تعرضت لها الطائرة عقب استخدامها في صراعات آسيوية مثل المواجهات الهندية–الباكستانية. ويرى مراقبون أنّ باريس تسعى من خلال الصفقة الجديدة إلى تعزيز حضور صناعتها العسكرية واستعادة بريقها التجاري، مستفيدة من الحرب الأوكرانية بوصفها «سوقاً مفتوحة» لا تزال تحتاج إلى كميات كبيرة من العتاد الغربي.
ويبقى السؤال مطروحاً اليوم في الأوساط السياسية الأوروبية، هل توصل سياسة ماكرون فرنسا إلى مواجهة مباشرة مع روسيا؟ وهل تتحول المساعدات العسكرية إلى نقطة اشتعال جديدة داخل القارة؟ أسئلة تتصاعد حدّتها كلما ازداد الانخراط الفرنسي في حرب لم تبدُ حتى الآن قريبة من نهايتها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تصويت الجزائر في مجلس الأمن… منطق الدولة ينتصر
تعالت أصواتٌ عديدة تندّد بتصويت الجزائر لصالح المشروع الأميركي المتعلق بغزة، معتبرة أنّ ال…






