أوكرانيا بين براغماتية ترامب وتهور الأوروبيين
من غرائب الأمور في هذا العالم أن أمريكا، التي فجّرت حرب أوكرانيا، اقتنعت اليوم بأن الوقت قد حان لإيقافها، طبعاً بعد أن أصبحت قاب قوسين أو أدنى من مواجهة مباشرة مع روسيا. فاختارت أن تتصالح وترمي الكرة في ملعب الأوروبيين، بما يشكل خطراً كبيراً على أمن القارة العجوز.
حكام أوروبا اليوم يسير أغلبهم وفق أجندات لوبيات السلاح والمصالح واللوبيات الصهيونية العالمية، التي تدفع بالقارة نحو حرب طاحنة لتحقيق انتقامها التاريخي. أوروبا تلعب بالنار، بينما أمريكا تبحث عن الابتعاد عن الحريق بعدما تأكدت أنها ستكون إحدى ساحاته الأساسية إذا اشتعل.
لقاء القمة بين ترامب وبوتين في ألاسكا أظهر بوضوح أن أمريكا تريد إنهاء الحرب في أوكرانيا، وتسعى لإقناع كييف والأوروبيين بالتنازل عن الأراضي التي كانت في الأصل روسية، من أجل تحقيق الأمن والسلام. هذا ما يفهم من إعلان ترامب عن استحالة استرجاع أوكرانيا لشبه جزيرة القرم أو انضمام زيلينسكي إلى الناتو، إضافة إلى اقتراحه فكرة تبادل الأراضي بين روسيا وأوكرانيا حسب تواجد القوات على الأرض.
الأوروبيون سارعوا للقاء ترامب، في خطوة تعكس خوفهم من تفاهم أمريكي–روسي قد لا يأخذ بعين الاعتبار مصالحهم ومواقفهم. الحضور الكثيف لهم في البيت الأبيض يعكس هذا التخوف، خصوصاً وأنهم مختلفون فيما بينهم. ففرنسا وبريطانيا وألمانيا يريدون إرسال قوات إلى الداخل الأوكراني، بينما ترفض روسيا ذلك بشدة وتهدد بمواجهة مباشرة. فقد صرحت أكثر من مرة أنها لن تنتظر لتُستهدف، بل سترد مباشرة ودون سابق إنذار، سواء على ألمانيا إذا زودت أوكرانيا بصواريخ توروس البعيدة المدى، أو على فرنسا إذا تدخلت عسكرياً، أو حتى على بريطانيا التي تبقى أراضيها تحت مرمى بوتين وقد تشتعل في أي لحظة. بريطانيا تحديداً تُعتبر الأكثر عدائية ضد الروس، وتعمل ليل نهار لإقناع الآخرين بضرورة المواجهة المباشرة، رغم أنها دولة جزيرة يمكن أن تتعرض للدمار في أي لحظة. ولا يُفهم أيضاً سر عدوانية هولندا، حيث يترأس أحد رؤسائها السابقين، مارك روت، الأمانة العامة لحلف الناتو حالياً.
روسيا حذرت الأوروبيين بعد لقائهم مع ترامب من محاولة تغيير الموقف الأمريكي تجاه السلام في أوكرانيا. وهذا المجهود لم يبدأ اليوم، بل منذ أن كان ترامب مرشحاً للرئاسة، عندما زاره بوريس جونسون، أحد أبرز مهندسي الحرب الأوكرانية، وحاول إقناعه بالدخول في صراع مباشر مع روسيا. لكن ترامب، الذي يعرف أن بلاده تعيش أزمة اقتصادية خانقة، يرى أن الاستمرار في الحرب مضيعة للوقت وهدر للأموال والأرواح، في حين يتجنب الإعلام الغربي الحديث عن الخسائر البشرية الأوكرانية ويركز فقط على تضخيم خسائر روسيا لخداع الرأي العام. غير أن المصادر المستقلة تؤكد أن أوكرانيا تكبدت كوارث بشرية رهيبة، ستجعلها عاجزة حتى عن تلبية احتياجاتها الاقتصادية البسيطة في حال تحقق السلام. ربما الجانب الأوروبي يرى في ذلك فرصة لاستعمار أوكرانيا ووضع ثرواتها تحت سيطرته.
أمريكا تريد وقف الكارثة، بل وحتى التخلي نهائياً عن الاهتمام بهذه الأزمة إذا لم يسايرها الأوروبيون في فرض السلام والخروج من معادلة المواجهة المباشرة مع الروس.
لكن في ظل ثلاث سنوات من الحرب، استطاعت الصين، العدو المفترض الآخر لواشنطن، أن تحقق اختراقات كبرى في المجالات التي كانت تتفوق فيها أمريكا، حتى قاربت على معادلتها في إنتاج الرقائق الإلكترونية والأسلحة وقطاع الطيران المدني والعسكري. كما نجحت في تحويل أزمة تايوان إلى قضية هامشية فقدت زخمها عند الأمريكيين.
العالم يتغير بسرعة مذهلة، ولا مكان فيه لتضييع الوقت… ولا مكان فيه للأغبياء.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…