إسرائيل تحت الصواريخ… وترامب يضغط زر النجدة
في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ الصراع بين إيران والكيان الصهيوني، تدخل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليعلن وقفًا مفاجئًا للعمليات العسكرية، بعد أيام من التصعيد غير المسبوق بين الطرفين. هذا التدخل، الذي وُصف بأنه “ضغط على زر النجدة”، أنقذ الكيان من وضع ميداني غير مسبوق، بعدما تعرّضت مدنه وبناه التحتية لقصف لم تشهده منذ إعلان قيامه سنة 1948.
الضربات الإيرانية الأخيرة كشفت عن تحوّل كبير في ميزان الردع الإقليمي. فبينما كانت إسرائيل تروّج لقدراتها الدفاعية والتكنولوجية المتفوقة، جاءت الردود الصاروخية الإيرانية لتكشف هشاشة جبهتها الداخلية، وتعطيلها عن حماية مواطنيها، رغم الدعم العسكري والاستخباراتي الغربي المستمر.
وإن لم تؤكّد الضربات الأمريكية التي تلت التصعيد امتلاك أدلة دامغة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية، فإن طهران أكّدت أنها أخفت كميات من اليورانيوم عالي التخصيب في مناطق آمنة، تتجاوز 400 كيلومتر من الأنفاق والمواقع المحصنة؛ وهي كميات يمكن استخدامها لإنتاج “قنابل نووية قذرة” تُشكّل خطرًا استراتيجيًا لا يقلّ عن السلاح النووي التقليدي.
قرار وقف الحرب، بحسب العديد من المحللين، لم يكن تعبيرًا عن انتصار طرف، بل تجسيدًا لحقيقة أن الحرب خرجت عن السيطرة، وكادت تتحوّل إلى مواجهة إقليمية شاملة، لا تملك واشنطن ولا حلفاؤها تصورًا واضحًا لنتائجها. وربما كان القرار ذاته انعكاسًا لحاجة أمريكية – إسرائيلية مشتركة لإيقاف النزيف العسكري، ومحاولة تقليل الخسائر الاستراتيجية.
تصريحات ترامب، التي بدا منها حرص واضح على منع مزيد من التصعيد، جاءت بعد أن فقدت إسرائيل زمام المبادرة، واضطرت إلى إجلاء عشرات الآلاف من سكان مستوطناتها، وإغلاق مطاراتها ومرافقها الحيوية لساعات طويلة، تحت وقع صواريخ باليستية وفرط صوتية دقيقة، طورتها إيران على مدى عقدين من الزمن، رغم العقوبات والحصار.
هذه الحرب، وإن لم تتواصل لأيام طويلة، فقد أعادت رسم ملامح المعادلة الاستراتيجية في المنطقة. بات الكيان الصهيوني يواجه واقعًا جديدًا، تُجبره فيه طهران على التفكير مليًا قبل شن أي عملية عسكرية خارج حدوده. الحسابات الأمنية التقليدية تغيّرت؛ فزمن الضربات الإسرائيلية بلا رد مضى، وجاء زمن “المعادلة الردعية المتوازنة”.
أما داخل المجتمع الإسرائيلي، فستبقى آثار الحرب النفسية والقلق الشعبي حاضرة لسنوات. إذ أظهرت الأحداث هشاشة الجبهة الداخلية، واستحالة العيش في شعور دائم بالأمان، حتى تحت مظلة القبة الحديدية والدعم الغربي. لقد بات الإسرائيليون يدركون أنهم في مرمى الاستهداف، وأن التفوق العسكري وحده لا يكفي إذا غابت المبادرة السياسية والدبلوماسية.
في هذا السياق، جاء تصريح الرئيس الروسي السابق ديميتري مدفيديف، بشأن احتمال تمكين عدد من الدول من الحصول على قدرات نووية ردعية، كإشارة إضافية إلى عالم يتجه نحو كسر احتكار القوة النووية. فمع تصرفات غير منضبطة من بعض القوى، تبقى “المعادلة النووية” إحدى أدوات تحقيق التوازن، وإن كان ذلك يحمل مخاطره أيضًا.
فشلت إسرائيل في اختبار القوة؛ لم تحقّق أي من أهدافها، وخرجت من المواجهة مثقلة بالتكلفة السياسية والعسكرية، وفي موقع دفاعي لأول مرة منذ عقود. أما إيران، فرغم خسائرها، فقد خرجت بإثبات جديد على قدرتها على الردع، وعلى أنها ليست الهدف السهل الذي تصوّره بعض الخطابات الغربية.
لقد غامرت إسرائيل، وخسرت الكثير؛ واضطرت واشنطن إلى التدخّل لإنقاذها من انهيار استراتيجي، في لحظة كان فيها ميزان الحرب يميل بقوة ضدها. أما حلفاؤها في المنطقة، فسيعيدون بلا شك حساباتهم، ويدرسون من جديد تداعيات أي مغامرة عسكرية مستقبلية في بيئة إقليمية معقدة ومفتوحة على كل الاحتمالات.
سقوط فكرة “الجيش الذي لا يُقهر” أمام صواريخ طهران، هو لحظة فاصلة في تاريخ الصراع، قد لا تُنسى بسهولة؛ كما أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي دخلت الملاجئ يومًا بعد آخر، لن تنسى حجم القلق الذي عاشته، ولا هشاشة الحماية التي وُعدت بها. تبقى الحرب الأخيرة درسًا قاسيًا في الجغرافيا السياسية، يذكّر الجميع بأن القوة، مهما بلغت، لا تحسم وحدها الصراعات.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…