إسرائيل تُدير اللعبة الأوروبية
كالعادة، لم يتفق قادة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ أي قرارات جادة لمعاقبة إسرائيل، وهو أمر متوقع، بالنظر إلى النفوذ القوي الذي تمارسه تل أبيب داخل العديد من دول الاتحاد. لقد بلغ هذا النفوذ حدّ التأثير في توجهات الحكومات الأوروبية، إن لم يكن التحكم في مسار قراراتها.
منذ القمة التي جمعت وزراء خارجية دول عربية – من بينها قطر، الإمارات، مصر، السعودية، والأردن – بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية، تعهد ممثل السياسة الخارجية الأوروبي آنذاك، جوزيب بوريل، بالدعوة لاجتماع شراكة مع إسرائيل لتنبيهها إلى انتهاكاتها المتواصلة لحقوق الإنسان في غزة. إلا أن هذا الوعد سرعان ما تلاشى بعد رفض إسرائيل المطلق لفكرة الاجتماع، فتراجع الاتحاد الأوروبي عن التزامه، وذهب الوعد أدراج الرياح… على حساب كرامة الحضور العرب.
قمة اليوم في بروكسل لا تختلف عن قمة الأمس. ولن تختلف كثيرًا عن القمم المقبلة، ما دام بعض الأنظمة العربية قد اختارت طريق التطبيع مع إسرائيل، بل وربما ستعتذر لها عمّا طالبوا به الاتحاد الأوروبي في السابق. إسرائيل لم تتأخر، بل نشرت صورًا “استباقية” للقادة العرب الذين يتجهون نحو ركب التطبيع، وعلى رأسهم قادة السعودية وقطر، في وقت تتداول فيه بعض الأوساط الدبلوماسية معلومات عن مساعٍ لإعادة تعريف “العدو” في الأجندة العربية. حيث يُتوقع أن تتحول روسيا والصين إلى أعداء جدد، بدلاً من إسرائيل التي كانت العدو التقليدي سابقًا.
في الواقع، ما يُسمّى بـ”الخلافات” بين قادة الاتحاد الأوروبي حول معاقبة إسرائيل على جرائمها في غزة لا يعدو كونه جزءًا من الوفاق الغربي الجديد مع إسرائيل، لا أكثر. الحديث عن معاقبة تل أبيب مجرد خطاب للاستهلاك الإعلامي لا يملك أي قوة تنفيذية، فالاتحاد الأوروبي، الذي يدعم إسرائيل ماليًا وعسكريًا، لن يُقدم على معاقبتها مهما ارتكبت من مجازر ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
الأولوية الأوروبية الآن هي إعادة رسم خارطة التحالفات الدولية، في مشهد يعيد إلى الأذهان معالم الحرب الباردة، مع إعادة تحديد “الأعداء” و”الأصدقاء” وفق معايير جديدة. وهي عملية كانت قد تسارعت مع السياسات الانعزالية التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي تعمل قوى غربية متعددة اليوم على احتوائها، أبرزها التحالف البريطاني الإسرائيلي.
المستقبل القريب قد يشهد بناء علاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى بناءً على مدى قرب هذه الدول من إسرائيل أو ابتعادها عنها، ريثما تتحرك القوى المناهضة لهذا النهج لتُشكّل تحالفًا دوليًا قادرًا على مواجهة الانحياز الغربي، وحماية مصالح حلفائها من المخاطر القادمة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…