إطلاق رسمي لشبكة الجيل الخامس في الجزائر

ستّ سنوات لتغطية كامل التراب الوطني وتحولات اقتصادية ورقمية مرتقبة.. إطلاق رسمي لشبكة الجيل الخامس في الجزائر

شهدت الجزائر، أمس الأربعاء 3 ديسمبر، خطوة استراتيجية في مسار تحديث منظومتها الرقمية بإعلان الإطلاق الرسمي لخدمة الجيل الخامس، خلال مراسم نشّطها وزير البريد والاتصالات السيد سيد علي زروقي بحضور وزير الداخلية السيد سعيد سعيود والمتعاملين الثلاثة للهاتف النقال موبيليس، جازي وأوريدو. تأتي هذه العملية بعد استكمال الإطار التنظيمي وإصدار التراخيص القانونية الخاصة باستغلال التكنولوجيا الجديدة.

ويعتمد مخطط نشر الجيل الخامس على تغطية تدريجية مدتها ست سنوات، تنطلق من الولايات ذات الأولوية ثم تشمل تدريجياً جميع ولايات الوطن، في إطار خطة وطنية تهدف إلى إدماج الاقتصاد الجزائري في الدورة التكنولوجية العالمية وتحديث الشبكات بما يتناسب مع معايير الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء والمدن الذكية.

يؤكد مختصون أن إدخال 5G في الجزائر لا يقتصر على تحسين سرعة الاتصال وخفض زمن الاستجابة فحسب، بل يفتح الباب أمام تحول اقتصادي عميق في قطاعات استراتيجية، من بينها الصناعة، الطاقة، النقل، الخدمات اللوجيستية والزراعة الذكية؛ إذ ستسمح هذه التقنية بربط عدد هائل من الأجهزة والأنظمة بشكل لحظي، ما يدعم التسيير الآلي للمنشآت الصناعية وتطوير الاقتصاد الرقمي والحكومة الإلكترونية والخدمات المالية المتقدمة.

وفي السياق ذاته، يشير الخبراء إلى أن دخول الجيل الخامس سيُحدث قفزة نوعية في مجال رقمنة القطاع الصحي عبر الطب الاتصالي، الجراحة عن بعد ونظم مراقبة المرضى، إلى جانب قطاع التعليم الذي سيستفيد من منصات تفاعلية عالية الدقة تسمح بدمج المحتوى الافتراضي وتقنيات الواقع المعزز.

من الناحية التقنية، يمثل الجيل الخامس شبكة اتصالية ذات قدرة فائقة على نقل البيانات بسرعات تصل إلى 20 ضعف الجيل الرابع، مع نسبة تأخير شبه منعدمة. هذه الخصائص تجعل من 5G المحرك الرئيسي للتحول الرقمي والاقتصاد القائم على البيانات الضخمة والمعالجة السحابية.

أما اقتصادياً، فمن المتوقع أن تخلق هذه التكنولوجيا فرصاً استثمارية ضخمة في مجالات الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، إدارة المدن الذكية، شبكات النقل، التجارة الإلكترونية، خدمات الاتصالات المتقدمة، والصناعات المرتبطة بالروبوتات والتحكم عن بعد. كما ستسهم في صناعة فرص عمل جديدة موجهة للشباب المتخصص في المجالات التكنولوجية والأمن الرقمي.

غير أن إدخال الجيل الخامس يطرح أيضاً تحديات كبيرة في مجال حماية البيانات والسيادة الرقمية، باعتبار أن هذه التقنية تزيد من نقاط الاتصال وقنوات تبادل المعلومات، وبالتالي توسّع دائرة المخاطر السيبرانية. فمع ارتفاع حجم الأجهزة المتصلة ودرجة الاعتماد على الشبكات، يصبح من الضروري تطوير أنظمة حماية متقدمة قادرة على ردع الهجمات الإلكترونية وحماية الأنظمة الصناعية والمؤسسات الحيوية من الاختراق.

وتشير عدة تقارير استراتيجية إلى أن تهديدات الأمن السيبراني ستصبح أكثر تعقيداً مع دخول 5G، خصوصاً فيما يتعلق بالتجسّس الرقمي، حماية البنية التحتية الذكية، وتأمين قواعد البيانات الضخمة التي ستشكّل العمود الفقري للمعاملات الرقمية والإدارية في المستقبل. ولأجل ذلك، يُنتظر اعتماد إجراءات وطنية صارمة في مجال المراقبة التقنية، التشفير، الأمن المعلوماتي، وتأهيل الخبرات البشرية القادرة على التعامل مع هذه التكنولوجيا.

وتؤكد هذه التطورات أن الجزائر مقبلة على مرحلة جديدة ذات أبعاد اقتصادية واستراتيجية، تتطلب تعزيز السيادة الرقمية الوطنية من جهة، ومواصلة تطوير بنية تكنولوجية متينة قادرة على الاستجابة لمتطلبات التحول الرقمي من جهة أخرى، مع ضمان أمن الشبكات وحماية بيانات المؤسسات والمواطنين في إطار منظومة وطنية شاملة.

وبإطلاق هذه التكنولوجيا، تضع الجزائر نفسها في موقع متقدم ضمن خارطة التطور التكنولوجي وتعلن إرادتها الثابتة في الاندماج في الاقتصاد الرقمي العالمي مع الحفاظ على أمنها السيبراني واستقلالية قرارها الرقمي.