‫الرئيسية‬ الأولى اختلاس نصف مليار دولار باسم “نصرة غزة”!
الأولى - الحدث - الدولي - ‫‫‫‏‫يومين مضت‬

اختلاس نصف مليار دولار باسم “نصرة غزة”!

تتواصل تداعيات ما بات يُعرف بـ«فضيحة النصف مليار دولار» التي هزّت الرأي العام في العالم العربي، بعد أن اتضحت خيوط واحدة من أكبر عمليات جمع التبرعات الموجّهة لقطاع غزة، والتي استغلها تنظيم الإخوان عبر مؤسسات مرتبطة به في تركيا والأردن لجمع مبالغ ضخمة انتهت في غير مقصدها. وقد اتسعت دائرة الجدل مع ظهور وثائق رسمية صادرة عن حركة «حماس» تشير إلى تورط عدة كيانات وشخصيات في الاستيلاء على الأموال الموجهة لغزة، وفي مقدمتها مؤسسة «وقف الأمة» التي برز اسمها باعتبارها أحد أهم أذرع جمع التبرعات في السنوات الأخيرة.

وتحوّل البيان الرسمي الذي أصدرته حركة حماس بتاريخ 27 يناير 2024 إلى نقطة مفصلية في كشف هذه القضية، إذ جاء في إطار رسالة حملت عنوان «رفع الغطاء عن مؤسسات وأشخاص»، خاطبت فيها الحركة «من يهمه الأمر»، وأعلنت بشكل مباشر أنّ بعض المؤسسات التي كانت تُستخدم لجمع التبرعات باسم القدس والمسجد الأقصى وقطاع غزة لم تعد تعمل باسم الحركة، بل أصبحت تُدار وفق مصالح خاصة لمن استحوذوا عليها، ورفضوا الالتزام بقرارات الحركة وتوجيهاتها. وأوضح البيان أن تلك الجهات ابتعدت عن الهدف الذي أنشئت من أجله، وتحوّلت إلى أدوات لتحقيق رغبات شخصية، وهو ما دفع الحركة إلى إخلاء مسؤوليتها عنها بشكل كامل.

وذكر البيان مجموعة من المؤسسات التي لم تعد الحركة تعتبرها ممثلة لها، وفي مقدمتها مؤسسة «وقف الأمة»، ومؤسسة «منبر الأقصى»، ومؤسسة «كلنا مريم»، وهي المؤسسات نفسها التي أثارت لاحقًا موجة من الاتهامات بشأن جمع الأموال باسم غزة وتوجيهها لجهات غير معلومة. كما أوردت الحركة في بيانها قائمة بأسماء أشخاص رفعت عنهم الغطاء التنظيمي، بينهم سعيد أبو المعيد، ورياض نوفل، وفؤاد الزيبد، وسمير سعيد، وعبد الله سمير، وخلدون جيازي، وأحمد العمري، وزيد العمري، إضافة إلى آخرين قالت إنهم تصرفوا بطرق أضرت بالحركة وبالعمل المقاوم، واستغلوا مواقعهم السابقة في مؤسسات مرتبطة بالحركة لتحقيق مصالح شخصية.

ويكشف البيان أن حماس حاولت، قبل إصدار موقفها العلني، تكليف لجان داخلية خاصة للتحقيق في الممارسات التي تُنسب لتلك المؤسسات، ومحاولة إعادة تصويب عملها، إلا أن تلك الجهود لم تنجح بسبب ما وصفته الحركة بـ«إصرار القائمين عليها على عدم التعاون» ورفضهم الالتزام بأي مراجعة. وأكدت الحركة أنها «لن تسمح بأن تكون مدينة القدس والمسجد الأقصى ودماء غزة الطاهرة وسيلة لجمع الأموال بغير وجه حق»، مشيرة إلى أن المرحلة الحساسة التي تمر بها القضية الفلسطينية لا تحتمل مثل هذه التجاوزات، وأن ما جرى يمثل «ضررًا جسيمًا لصورة العمل المقدسي والمقاومة».

وقد تزامن صدور هذا البيان مع انفجار سجال واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن نشر شاب يُدعى خالد منصور، قدم نفسه باعتباره من داخل حركة حماس، سلسلة تدوينات أثارت القضية إلى العلن، واتهم فيها «وقف الأمة» بالاستيلاء على مبالغ تقدر بنصف مليار دولار من التبرعات. وتطورت القضية مع دخول شخصيات بارزة من التيار الإخواني على خط المواجهة، من بينهم الداعية محمد المختار الشنقيطي، الذي ظهر في مراسلات يطلب من منصور وقف نشر المعلومات، قبل أن يصدر بيان حماس الذي أكد صحة الاتهامات الجوهرية دون الإفصاح عن حجم الأموال المختلسة.

وتشير تقارير ودراسات متخصصة إلى أن حملة «وقف الأمة» كانت واحدة من أكبر الحملات التي أطلقت عالمياً لجمع التبرعات لغزة، إذ استخدمت أدوات دعائية واسعة، مثل المؤتمرات الجماهيرية في تركيا، والبث المباشر عبر مواقع التواصل، والإعلانات المدفوعة، إضافة إلى خطابات عاطفية مؤثرة ركزت على معاناة الأطفال والدمار في القطاع. وتفيد وثائق منشورة بأن المؤسسة أطلقت أكثر من 2000 حملة منذ 2013، إلا أن الحملة الأخيرة وحدها جمعت أرقامًا ضخمة خلال أسابيع قليلة، ما يفسّر لماذا تحظى القضية اليوم بهذا القدر من الاهتمام.

وأدى انكشاف هذه المعلومات إلى موجة من الغضب داخل الأوساط الفلسطينية والعربية، خصوصًا أن التبرعات التي قُدمت جاءت في ظروف إنسانية صعبة يعيشها سكان غزة تحت الحصار والحرب، في وقت كان المتبرعون يثقون في أن مساهماتهم ستصل مباشرة إلى مستحقيها. ويرى مراقبون أن المؤسسات التي ذكرتها الحركة في بيانها كانت جزءًا من شبكة مالية واسعة تُدار عبر أفراد مرتبطين بالحركة، وأن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال لم يُصرف على مشاريع خدمية أو إغاثية كما كان يُعلن، بل وُجه إلى استثمارات خاصة في دول عدة.

ومع تزايد المعلومات التي تتكشف تباعًا، تبدو القضية مرشحة للتوسع خلال الفترة المقبلة، سواء على المستوى القانوني أو السياسي أو التنظيمي. فالأرقام المتداولة، وطبيعة الشخصيات المتورطة، وحجم العمليات الدعائية التي صاحبت جمع التبرعات، كلها تشير إلى أن فضيحة «وقف الأمة» قد تكون واحدة من أكبر قضايا الاختلاس المرتبطة بغزة منذ سنوات. ومع ذلك، يبقى بيان حركة حماس المكوّن من صفحتين—كما يظهر في الوثائق الرسمية—أهم دليل رسمي حتى الآن على أن الفوضى في إدارة الأموال لم تكن مجرد شائعات، بل حقيقة دفعت الحركة نفسها إلى التنصل من مؤسسات كانت يومًا جزءًا من شبكتها.

 


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر تحذّر في مجلس الأمن.. تجفيف التمويل هو مفتاح هزيمة الإرهاب

قدّمت الجزائر عبر ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، رؤية دقيقة ومفصلة …