‫الرئيسية‬ الأولى ارتياح أوروبي بعد عفو تبون عن صنصال
الأولى - الوطني - ‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

ارتياح أوروبي بعد عفو تبون عن صنصال

ارتياح أوروبي بعد عفو تبون عن صنصال
في خطوة أثارت اهتماماً سياسياً وإعلامياً واسعاً عبر العواصم الأوروبية، قرر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الاستجابة إيجابياً لطلب نظيره الألماني، السيد فرانك فالتر شتاينماير، القاضي بمنح عفو خاص للكاتب بوعلام صنصال لدواعٍ إنسانية بحتة. ومع أن القرار جاء في إطار إنساني، إلا أن أصداءه تجاوزت البعد الإنساني لتتحول إلى حدث دبلوماسي كبير أعاد وضع الجزائر في مركز النقاش الأوروبي حول مفاهيم السيادة، والاستقلال في القرار، والدبلوماسية الهادئة التي تمزج بين الصرامة السياسية والرأفة الإنسانية.

منذ اللحظة الأولى لإعلان رئاسة الجمهورية عن القرار، مساء الأربعاء 12 نوفمبر 2025، تحركت دوائر القرار في أوروبا بتصريحات متتالية تشيد بالمبادرة الجزائرية. في برلين، وصف الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير استجابة الرئيس تبون بأنها “مبادرة نبيلة تعبّر عن وعي سياسي وإنساني راقٍ”، مضيفاً أن القرار “يعكس عمق الصداقة بين البلدين والرؤية المتوازنة التي تنتهجها الجزائر في علاقاتها الخارجية”. وأضافت المستشارية الألمانية في بيانها الرسمي أن “الجزائر تعاملت مع الطلب في كنف الاحترام الكامل لسيادتها، وأن الرئيس تبون اختار أن يسمو بالبعد الإنساني فوق كل الحسابات السياسية”، مشيرة إلى أن الاتصالات التي سبقت القرار كانت “هادئة، مباشرة، وبعيدة عن الأضواء”.

أما في باريس، فقد كان وقع القرار عميقاً، ليس فقط لأنه أنهى قضية شغلت الإعلام الفرنسي لأشهر، بل لأنه أظهر أن الجزائر قادرة على اتخاذ قراراتها السيادية دون الانجرار إلى دوامة الضغوط الدبلوماسية. فقد عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “امتنانه العميق” لنظيره الجزائري، قائلاً: “أحيّي روح الإنسانية التي تحلّى بها الرئيس عبد المجيد تبون. لقد تابعنا الملف بشفافية مع شركائنا الألمان، وهذه الخطوة تُثبت أن الدبلوماسية الهادئة هي الطريق الأمثل للحوار”. وأكد ماكرون أنه “مستعد لإعادة بناء علاقة متوازنة بين باريس والجزائر على أساس الاحترام المتبادل والثقة المتجددة”.

وتوالت التصريحات السياسية في فرنسا على نغمة واحدة من الترحيب. رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو صرّح في الجمعية الوطنية قائلاً: “العدالة والإنسانية انتصرتا اليوم. نشكر كل من ساهم في حل هذه القضية بطريقة تحترم الجميع”. أما رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، فقد اعتبر أن “الحرية تحمل هذا اليوم اسم بوعلام صنصال، وأن الجزائر قدّمت درساً في الحكمة السياسية”. كذلك، أبدت زعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبان موقفاً مفاجئاً حين وصفت القرار بأنه “دليل على نضج الجزائر السياسي”، فيما كتب رئيس حزب الجمهوريين برونو ريتايو على منصة “إكس”: “إنها خطوة تذكّرنا بأن الحوار الهادئ يثمر دائماً أكثر من التصعيد”.

الجانب الإنساني في القضية لم يغب عن المشهد، إذ أصدرت عائلة بوعلام صنصال بياناً عبر ابنته سابهة التي قالت للوكالة الفرنسية: “كنت خائفة على حياة والدي بسبب حالته الصحية، لكنني كنت أثق أن الجزائر ستتعامل مع الملف بإنسانية”. كما عبّر محاميا الدفاع، بيار كورنو-جونتيل وفرانسوا زيميري، عن “ارتياحهما الكبير” لقرار العفو، مشيدين بـ“دور ألمانيا الإيجابي” وبالنهج الجزائري الذي “احترم القانون ولم يتخلّ عن البعد الإنساني”.

الحدث لم يتوقف عند حدود الترحيب الرسمي. فقد اعتبرت الصحافة الألمانية أن الجزائر “برهنت على استقلالية قرارها السياسي”، وكتبت صحيفة Die Welt أن “الجزائر لم تخضع لأي ضغط خارجي، بل تصرفت كدولة ذات سيادة تزن قراراتها بدقة”. أما Frankfurter Allgemeine Zeitung فوصفت الخطوة بأنها “قرار سيادي غلّب الاعتبارات الإنسانية دون أن يتنازل عن هيبة الدولة”. وفي باريس، رأت صحيفة Le Monde أن “الجزائر اختارت طريق الدولة الرصينة، لا الدولة الانفعالية”، فيما قالت Le Figaro إن “الجزائر الجديدة تعبّر عن نفسها بخطوات هادئة ولكن ذات أثر عميق في العلاقات الدولية”.

في الجانب العملي، تم تنفيذ قرار العفو بسرعة ودون ضجيج. فقد غادر بوعلام صنصال الجزائر مساء اليوم نفسه على متن طائرة ألمانية خاصة، متوجهاً إلى برلين حيث استقبلته السلطات الألمانية لإجراء فحوصات طبية تمهيداً لعلاجه. وأكدت مصادر دبلوماسية أن الجزائر قدّمت كل التسهيلات اللوجستية والطبية لضمان مغادرته في أفضل الظروف، ما عكس الجانب الإنساني الخالص للقرار.

على الصعيد السياسي، رأى المراقبون أن الخطوة الجزائرية تمثّل جزءاً من سياسة الرئيس تبون الخارجية القائمة على “القوة الهادئة” — تلك المقاربة التي تجمع بين الدفاع الصارم عن السيادة الوطنية والانفتاح الذكي على الحوار. فالعفو، وإن كان في ظاهره استجابة إنسانية، إلا أنه في جوهره رسالة سياسية واضحة: الجزائر لا تُدار من الخارج، ولكنها قادرة على اتخاذ قراراتها من موقع قوة وثقة.

كما اعتبر محللون أن قرار العفو شكّل لحظة دبلوماسية مفصلية أعادت رسم صورة الجزائر في الوعي الأوروبي. فبينما فشلت قوى عديدة في التأثير على القرار القضائي، جاء تجاوب الرئيس تبون في إطار دستوري وقانوني كامل، مما أكد مجدداً أن الدولة الجزائرية لا تُدار عبر الإعلام أو الضغوط، بل عبر المؤسسات. وهو ما أشار إليه عدد من الدبلوماسيين في بروكسل عندما وصفوا الخطوة بأنها “رسالة سيادية مضمونة بحس إنساني راقٍ”.

وفي الأوساط الأوروبية، بدا أن الجزائر استطاعت من خلال هذا القرار استعادة موقعها كفاعل أساسي في المتوسط، قادر على الجمع بين الصرامة والسياسة، بين القانون والرحمة. أما في الداخل الجزائري، فقد قرأ كثير من المتابعين القرار على أنه “تعبير عن دولة قوية تعرف متى تعفو ومتى تحاسب”.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

العدد 86 من يوميـــــة “المؤشر” 25|11|2025