اعتبرتهم فرنسا أفراد خطرين للترحيل.. الجزائر ترفض قائمة روتايو
في خطوة دبلوماسية هامة، رفضت الجزائر بشكل قاطع قائمة الأفراد الجزائريين التي قدمتها فرنسا في 14 مارس 2025، والمتضمنة نحو ستين اسمًا من مواطنيها الذين تطالب باريس بترحيلهم فورًا من أراضيها. القائمة التي جاءت في إطار سياسة فرنسا الأمنية لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، لاقت رفضًا من السلطات الجزائرية التي اعتبرت هذا التصرف “غير مقبول” من حيث الشكل والمضمون.
حسب بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، فإن السلطات الجزائرية قررت عدم التعامل مع القائمة التي قدمتها الحكومة الفرنسية، حيث أكد البيان أن الجزائر “رفضت القائمة بشكل قاطع” وأوضحت أن هذا الرفض لا يقتصر على شكل الإجراءات المتبعة، بل يمتد إلى الجوهر والمضمون. وأضاف البيان أن الجزائر وجهت الدعوة للسلطات الفرنسية “لإتباع القنوات المعمول بها رسميًا” والتي تشمل التنسيق بين المحافظات الفرنسية والقنصليات الجزائرية في فرنسا.
ومن جهتها، أكدت الجزائر على أنها ستظل ملتزمة بالقوانين المعتمدة في التعامل مع مثل هذه الملفات، مشيرة إلى أن أي إجراء في هذا السياق يجب أن يتم وفقًا للآليات الرسمية والمتفق عليها بين البلدين في إطار الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية.
رفض الجزائر للقائمة التي قدمتها فرنسا يمكن فهمه من خلال عدة عوامل، سياسية ودبلوماسية. أولًا، الجزائر ترى في هذا التصرف الفرنسي انتهاكًا للسيادة الوطنية، حيث أن فرنسا تطلب من الجزائر التعامل مع الأفراد المعنيين بشكل مباشر دون استشارة أو التنسيق مع السلطات الجزائرية. هذا الأمر لا يتماشى مع المبادئ الأساسية للعلاقات بين الدول التي تقوم على الاحترام المتبادل، خاصة في قضايا تتعلق بمواطني كل دولة في الدولة الأخرى.
ثانيًا، تعتبر الجزائر أن تقديم قائمة من الأفراد “الخطرين” دون توضيح كامل لأسباب ومبررات الترحيب بها أو ترحيلهم هو بمثابة اتهام جماعي للجزائريين المقيمين في فرنسا، وهو ما قد يخلق توترًا غير مبرر بين الجاليتين الجزائرية والفرنسية.
في المقابل، وبعد هذا الرفض الجزائري، أعلن وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايلو عن استعداد فرنسا لبدء تنفيذ “رد تدريجي” على هذا الرفض. وتأتي هذه الخطوة في إطار سياسة الحكومة الفرنسية التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب والجريمة من خلال ترحيل الأفراد الذين يُعتبرون تهديدًا للأمن الوطني. وقال ريتايلو في تصريحات له إن فرنسا ستبحث عن سبل أخرى للتعامل مع هذا الملف، بما في ذلك اللجوء إلى القنوات الدبلوماسية التقليدية التي قد تستغرق وقتًا أطول.
القائمة التي قدمتها السلطات الفرنسية تضم عشرات الأفراد الذين تعتبرهم وزارة الداخلية الفرنسية “خطرين”، وتحتوي على أسماء مواطنين جزائريين يقيمون في فرنسا، تم تصنيفهم كتهديدات للأمن العام بسبب صلاتهم المحتملة بالجريمة المنظمة أو الجماعات المتطرفة. وتعتبر هذه القائمة جزءًا من سياسة فرنسا المكثفة التي تهدف إلى ترحيل الأفراد الذين يشكلون تهديدًا للأمن العام، سواء كانوا متورطين في قضايا تتعلق بالإرهاب أو الجريمة المنظمة.
لكن الجزائر ترى في هذه الممارسات محاولة فرض منطق القوّة على سيادتها، حيث أن تقديم مثل هذه القوائم يفتقد إلى الشفافية والوضوح، مما يعزز الإحساس لدى السلطات الجزائرية بأن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل.
العلاقات بين الجزائر وفرنسا، التي شهدت توترًا في العديد من الفترات منذ الاستقلال الجزائري في 1962، تتسم عادةً بالحدة في مثل هذه القضايا التي تمس السيادة. منذ الاستقلال، كانت الجزائر تتعامل بحذر مع قضايا ذات طابع حساس، مثل التعاون الأمني وترحيل الأفراد المشتبه بهم. لكن هذه القضايا تتخذ طابعًا أكثر تعقيدًا في الوقت الراهن، بسبب التوترات السياسية الأخيرة بين البلدين.
من ناحية أخرى، تتعاون الجزائر وفرنسا في قضايا عديدة، بما في ذلك محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث تعمل الأجهزة الأمنية في كلا البلدين على التنسيق في بعض القضايا الأمنية. لكن القضايا المتعلقة بالترحيل دون التنسيق مع الجزائر، كما حدث في هذه الحالة، قد تثير مشاعر من الاستياء في الجزائر وتعرقل الحوار الثنائي بين البلدين.
التوتر بين الجزائر وفرنسا قد يتصاعد في الفترة المقبلة في حال استمرار القضايا المتعلقة بالترحيل وعدم وجود آلية دبلوماسية واضحة لتسوية هذه المسائل. ومع أن كلا البلدين قد يرغبان في تحسين علاقاتهما على مختلف الأصعدة، إلا أن السيادة الجزائرية تبقى أمرًا محوريًا في أي مناقشات أو اتفاقات ثنائية تتعلق بمواطني الجزائر في الخارج.
وتنتظر الجزائر من فرنسا أن تلتزم بالقنوات الدبلوماسية المعتادة وأن تتبع الإجراءات القانونية المعترف بها بين البلدين، مما سيؤدي إلى إعادة التوازن للعلاقات بين الجانبين. في حال عدم حدوث تقدم في هذا الصدد، قد تؤدي هذه القضايا إلى مزيد من العزلة السياسية للبلدين، مع ما قد يصاحب ذلك من تداعيات سلبية على التعاون الأمني والاقتصادي.
رفض الجزائر لقائمة الأفراد “الخطرين” التي قدمتها فرنسا يعكس رغبتها القوية في الدفاع عن سيادتها الوطنية، ويشير إلى أن العلاقات بين البلدين قد تواجه صعوبات في المستقبل إذا لم تتم معالجة هذه القضايا بحذر وحوار دبلوماسي شفاف. هذه الحادثة تبرز بشكل واضح التحديات التي تواجه العلاقات الجزائرية الفرنسية، وتضعنا أمام تساؤلات حول كيفية توازن فرنسا بين مصالحها الأمنية واحترام سيادة الدول الأخرى في محاربة الإرهاب والجريمة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…