الأمن الجزائري يحبط أخطر محاولات التهريب القادمة من المغرب
في وقت تتصاعد فيه حدة التوترات الإقليمية، وتزداد المؤشرات على وجود صراع غير تقليدي بين الجزائر والمغرب، أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني عن إحباط محاولتين لتهريب كميات ضخمة من الكيف المعالج، مصدرها المملكة المغربية، كانت موجهة إلى داخل التراب الجزائري.
وقد نجحت المصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات (SCLTIS)، نهاية الأسبوع الماضي، في تنفيذ عمليتين متفرقتين في كل من ولاية معسكر والبليدة، أسفرتا عن حجز ما يزيد عن 110 كيلوغرامات من الكيف المعالج، وتوقيف مشتبه فيهما متورطان في هذه الأنشطة الإجرامية المنظمة.
في العملية الأولى، تمكنت المصالح الأمنية من ضبط مركبة مشبوهة مركونة داخل مرآب فندق بمدينة بوحنفية (معسكر)، حيث عُثر بداخلها على 43 كيلوغرامًا من الكيف المعالج مخبأة بإحكام داخل تجاويف سرية. أما العملية الثانية، فتمّت على مستوى الطريق السريع بمنطقة بوفاريك (البليدة)، وأفضت إلى توقيف مركبة سياحية ثانية كانت متجهة نحو الجزائر العاصمة، حيث جرى ضبط 67.7 كيلوغرامًا من نفس المادة المخدّرة، مموّهة بطريقة مماثلة للأولى.
التحقيقات الأولية كشفت عن تشابه في طريقة الإخفاء ومسار التهريب، ما يشير إلى وجود شبكة منظمة تستخدم نفس الآليات اللوجيستية وطرق العبور.
ليست هذه العمليات معزولة عن السياق الأمني والسياسي الإقليمي. فالجزائر، وعلى لسان كبار مسؤوليها، لطالما اتهمت المغرب باتباع سياسة “نشر السموم” عبر المخدرات، في إطار ما يُعرف بـ”الحرب القذرة” التي تستهدف الجزائر من خلال إغراق أسواقها بمواد مخدرة مدمّرة.
وقد أكد الرئيس عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة أن الجزائر تتعرّض لهجمة تهريب ممنهجة: “نحن نواجه حربًا حقيقية، لا تُشنّ بالرصاص، بل بالمخدرات التي تستهدف شبابنا واستقرارنا.” ووفق إحصائيات الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان (ONDCT)، فإن ما يقارب 90% من الكيف المعالج المحجوز في الجزائر مصدره المغرب، الذي يُعد حسب تقارير الأمم المتحدة والمرصد الأوروبي للمخدرات، أكبر منتج للقنب الهندي في العالم.
تشير تقارير دولية إلى أن المغرب يُنتج ما يزيد عن 55 ألف هكتار من القنب الهندي سنويًا، أغلبه يُصدّر عبر شبكات إجرامية إلى أوروبا ودول شمال إفريقيا. ووفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، فإن المملكة المغربية تُعتبر ممونًا رئيسيًا للأسواق الإجرامية عبر المتوسط.
وتكشف هذه التقارير أن العديد من شحنات القنب المغربي تمر عبر الجزائر نحو دول الساحل، ما يُعزز شكوك الأجهزة الجزائرية بوجود تواطؤ ممنهج بين شبكات التهريب وبعض الجهات النافذة في “المخزن المغربي”.
في مقابل التصريحات الجزائرية والتقارير الدولية، تلتزم السلطات المغربية صمتًا تامًا، دون ردود رسمية أو مبادرات للتعاون الأمني. ويُنظر إلى هذا الصمت في الجزائر باعتباره موقفًا ضمنيًا منخرطًا في الفعل، أو على الأقل غير راغب في محاربته. وفي ظل غياب التنسيق الأمني والدبلوماسي بين البلدين منذ قطع العلاقات في 2021، تبقى الحدود الغربية الجزائرية ساحة مفتوحة أمام شبكات التهريب، التي توظف في بعض الأحيان تكنولوجيا حديثة كالمركبات الطائرة “الدرونز” والتجويف الذكي داخل السيارات.
تُجمع الدوائر الأمنية والتحليلية في الجزائر على أن هذه الأنشطة لا تستهدف فقط ترويج المخدرات لتحقيق أرباح مادية، بل تهدف أيضًا إلى تخريب النسيج الاجتماعي الوطني. فالضربات المتكررة التي تُنفذها قوات الأمن تكشف أن الكميات المهربة تُوجه أساسًا نحو المناطق السكنية الشعبية، والمؤسسات التعليمية، وحتى الأحياء الجامعية، في محاولة لتدمير وعي الأجيال الصاعدة.
وتسعى الشبكات المنظمة، بحسب تحقيقات سابقة، إلى ربط المخدرات بأنشطة أخرى مثل تمويل الإرهاب وتهريب البشر، مما يضفي على هذه العمليات أبعادًا أمنية وسياسية معقدة. في ظل هذه المعطيات المتصاعدة، يجد كثير من الجزائريين أنفسهم أمام سؤال محوري: لماذا لا تتحرك المنظمات الدولية بقوة في هذا الملف؟ ورغم وجود تقارير موثقة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا أن الضغط السياسي على المغرب يظل محدودًا، ما يُحتم على الجزائر تبني استراتيجية إعلامية ودبلوماسية هجومية لكشف ما تسميه بـ”الحرب القذرة عبر المخدرات”.
فحماية الوطن اليوم لا تتوقف عند تأمين الحدود، بل تتطلب تحركًا شاملًا: أمنيًا، تشريعيًا، إعلاميًا ودوليًا، يضع حدًا لتدفق السموم ويفضح المتورطين فيها، أيًّا كانت خلفياتهم أو مواقعهم.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…