الإمارات والقانون الدولي.. احترام انتقائي وشرعية مزيفة
أثار تصريح إيراني حديث حول جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى، والذي أكد بشكل قاطع أنها جزر إيرانية تخضع للسيادة الإيرانية الكاملة ولا مجال للنقاش بشأنها، موجة من الاستغراب لدى المتابعين للشأن العربي، خاصة بالنظر إلى توقيت هذا التصريح ودوافعه السياسية.
لفهم خلفيات هذا الموقف، لا بد من النظر إلى ما يجري في اليمن، حيث تلعب الإمارات العربية المتحدة دوراً مباشراً في الصراع الدائر هناك. اليمن أصبح ساحة مفتوحة لتجاذبات إقليمية حادة، بين الحوثيين المرتبطين بإيران من جهة، وقوى وتيارات أخرى مدعومة من الإمارات، وأخرى محسوبة على المملكة العربية السعودية من جهة ثانية. وتكمن خطورة المشهد في أن اليمن يشكل حلقة محورية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي تعبره يومياً مئات السفن التجارية، ومن يملك القدرة على التأثير في هذا المضيق يمتلك ورقة ضغط على حركة التجارة العالمية.
في هذا السياق، يمكن قراءة التصريح الإيراني على أنه رسالة تحذير واضحة موجهة إلى الإمارات، خاصة إذا ما أُخذ بعين الاعتبار التركيب الديمغرافي لهذا البلد، حيث يبلغ عدد سكانه قرابة 15 مليون نسمة، لا يتجاوز عدد المواطنين الإماراتيين الأصليين منهم حوالي مليون نسمة، بينما يشكل الأجانب الغالبية الساحقة.
المفارقة الصارخة في ملف الجزر الثلاث تتمثل في أن الإمارات تعتبرها جزءاً من ترابها الوطني، وتدعو إيران إلى حل النزاع عبر التفاوض، بل ورفعت شكوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي للمطالبة بالسيادة عليها. والأكثر غرابة أن مسؤولين إماراتيين، من بينهم وزراء، يتحدثون عن القانون الدولي دون حرج، ويناشدون المحكمة الدولية للفصل في القضية لصالحهم وفق مبادئ الشرعية الدولية.
غير أن هذا الخطاب يصطدم بتناقض فاضح حين يتعلق الأمر بقضية الصحراء الغربية. فمحكمة العدل الدولية نفسها أصدرت سنة 1975 رأياً استشارياً واضحاً أكد أن الصحراء الغربية لم تكن في أي وقت خاضعة لسيادة المغرب، وأن روابط البيعة المزعومة لا ترقى إلى مستوى السيادة. ومع ذلك، تجاهلت الإمارات هذا القرار كلياً، وفضّلت دعم الاستعمار المغربي للصحراء الغربية، في تناقض صارخ مع ادعائها احترام القانون الدولي.
كيف يمكن لدولة أن تلجأ إلى محكمة العدل الدولية وتطالبها بإنصافها في قضية الجزر، ثم تتنكر لأحكام المحكمة نفسها حين لا تخدم مصالحها؟ كيف يمكن المطالبة بتطبيق القانون الدولي في ملف، والدوس عليه في ملف آخر؟ هذا السلوك لا يمكن وصفه إلا بالكيل بمكيالين، إن لم يكن أكثر من ذلك.
وإذا كان هذا هو منطق التعامل مع القضايا السيادية، يطرح السؤال مشروعاً: هل يحق للجزائر، من باب المعاملة بالمثل، أن تدعم الموقف الإيراني بشأن الجزر الخاضعة فعلياً للسيادة الإيرانية، تماماً كما تدعم الإمارات الاستعمار المغربي في الصحراء الغربية؟ مع فارق جوهري يتمثل في أن محكمة العدل الدولية أصدرت حكماً واضحاً لصالح الشعب الصحراوي، وهو الحكم ذاته الذي تتجاهله الإمارات بينما تستشهد بالمحكمة نفسها حين يخدمها ذلك.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن الإمارات، في تناقض إضافي، تطعن في السيادة الجزائرية من الخلف عبر دعمها، ولو بشكل غير رسمي في المرحلة الحالية، للمشروع الانفصالي الذي يقوده فرحات مهني، وما يسمى بـ“جمهورية القبائل” الوهمية التي أعلن عنها مؤخراً.
أليس غريباً أن يصدر هذا السلوك عن دولة عضو في جامعة الدول العربية، يفترض أن تجمعها بالجزائر روابط اللغة والدين والمصير المشترك؟ دولة تدّعي الدفاع عن القانون الدولي، لكنها لا تعترف به إلا عندما يتوافق مع مصالحها الضيقة، وتتجاهله حين يتعلق بحقوق شعوب عربية أخرى.
إن منطق الإمارات في التعاطي مع قضايا السيادة والشرعية الدولية لم يعد قابلاً للتبرير، لأنه يقوم على انتقائية فجة، تُفرغ الخطاب القانوني من مضمونه، وتحوّل “القانون الدولي” إلى أداة سياسية تُستعمل عند الحاجة وتُهمل عند الضرورة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
وزارة الشؤون الدينية بين خطاب الإصلاح ومفارقات الممارسة
بعد سلسلة من التصريحات التي وُصفت بالإيجابية، بل وذهب بعض المتابعين إلى اعتبارها جريئة في …






