‫الرئيسية‬ الأولى الاتحاد الأوروبي يبارك نهب الصحراء الغربية باسم التجارة!
الأولى - الدولي - ‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

الاتحاد الأوروبي يبارك نهب الصحراء الغربية باسم التجارة!

الاتحاد الأوروبي يشرعن استغلال ثروات الصحراء الغربية!
يعيش الاتحاد الأوروبي، منذ أكتوبر 2024، على وقع أزمة معقدة فجّرها قرار محكمة العدل الأوروبية بإبطال الاتفاقيات التجارية الموقعة مع المغرب عام 2019، والتي شملت المنتجات الزراعية والصيد البحري القادمة من الصحراء الغربية. المحكمة أوضحت أن هذه الاتفاقيات أُبرمت دون موافقة شعب الصحراء، في خرق واضح لمبدأ تقرير المصير، ومنحت الاتحاد مهلة اثني عشر شهرًا للامتثال، أي حتى خريف 2025.

قرار المحكمة لم يقتصر على إلغاء الاتفاقيات، بل شدد أيضًا على أن المنتجات القادمة من الصحراء الغربية لا يجوز أن تُسوّق باعتبارها “مغربية”، لأن ذلك يضلل المستهلك الأوروبي ويتجاهل الوضع القانوني للإقليم الذي تعتبره الأمم المتحدة “إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي”. في المقابل، جاء رد المغرب حازمًا: السيادة على الصحراء ليست موضوعًا قابلًا للتفاوض، وكل تمييز في المعاملة يعتبره تهديدًا لوحدة أراضيه.

أمام هذا المأزق، حاولت المفوضية الأوروبية إيجاد صيغة جديدة. الوثائق الداخلية التي تسرّبت، والتي كشفت عنها Euractiv، توضح أن بروكسل تفكر في اعتماد تسمية جديدة للمنتجات القادمة من الصحراء الغربية عبر إدراجها تحت بند “منطقة منشأ”. بمعنى آخر، لن تحمل السلع وصف “مغربية”، لكن في الوقت نفسه ستظل السلطات المغربية هي التي تصدر شهادات المطابقة لهذه المنتجات. خطوة تبدو وكأنها حل وسط، لكنها في نظر المنتقدين مجرد “إعادة طلاء” لاتفاق سابق رُفض قضائيًا.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. فالمفوضية استندت إلى تفسير قدمته المحكمة ذاتها، وهو أن موافقة الشعب الصحراوي قد تُفترض في حال لم يفرض الاتفاق التزامات مباشرة عليهم وحقق لهم منافع ملموسة. بناء على ذلك، أدرجت بروكسل قائمة مشاريع تنموية في الإقليم: محطات لتحلية المياه لمواجهة أزمة الندرة، مبادرات للطاقة المتجددة، برامج لمكافحة التصحر الذي يهدد الأرض والمراعي، ودعم للتعليم والثقافة. كما اقترحت تمويل مساعدات إنسانية لمخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف بالجزائر.

لكن هذه المقاربة قوبلت بانتقادات قوية من منظمات المجتمع المدني. سارة إيكمانز من منظمة Western Sahara Resource Watch اعتبرت أن “الموافقة الضمنية ليست ثغرة يمكن استخدامها لتجاوز حكم قضائي”، مضيفة أن “الاتحاد الأوروبي سيخسر كل مصداقيته في مجال حقوق الإنسان إذا استمر في إقصاء الصحراويين من المفاوضات”. المنظمة نفسها حذرت من أن هذه الخطوة قد تشرعن “احتلالًا غير قانوني” وتشكل “سابقة خطيرة في نزاعات إقليمية أخرى”.

في داخل بروكسل، تسببت طريقة إدارة المفوضية للملف في أزمة مؤسساتية. فالمجلس الأوروبي أعطى الضوء الأخضر لبدء التفاوض يوم 10 سبتمبر 2025، لكن في خمسة أيام فقط كانت المفوضية قد أنهت صياغة التعديل. يوم 18 سبتمبر خرج النص النهائي، والمفاجأة أن بروكسل اقترحت تطبيقه بشكل مؤقت قبل أن يُعرض على البرلمان الأوروبي. هذه الخطوة أثارت غضبًا في لجنة التجارة الدولية بالبرلمان، حيث وصفها أحد النواب بأنها “إعلان حرب مؤسسية” و”فرض للأمر الواقع”.

في مطلع أكتوبر الجاري، أعلن كل من الاتحاد الأوروبي والمغرب عن توقيع التعديل الجديد للاتفاق الزراعي في بروكسل، وهو ما أكّدته وكالات أنباء مثل رويترز وMorocco World News. هذه الخطوة، التي جاءت على شكل تبادل رسائل، وُصفت من قبل مراقبين بأنها محاولة لتثبيت واقع قانوني هش، يهدف إلى كسب الوقت قبل أن يعود الملف مجددًا إلى محكمة العدل الأوروبية. فالتعديل أدخل ملصقات جديدة تشير إلى “العيون – الساقية الحمراء” و”الداخلة – وادي الذهب”، لكنه أبقى الشهادات الجمركية بيد السلطات المغربية. بالنسبة للمعارضين، وعلى رأسهم منظمات حقوقية مثل Western Sahara Resource Watch، فإن هذه الصيغة لن تصمد أمام أي طعن قانوني، لأنها لا تمس جوهر القضية: غياب موافقة الشعب الصحراوي على استغلال موارده، وهو الشرط الأساسي الذي شددت عليه المحكمة في قرارها الصادر قبل عام.

الصحراويون أنفسهم يراقبون هذه التحركات بمرارة. ففي الداخلة، يعمل مزارعون في مزارع الطماطم الموجهة إلى السوق الأوروبية، وهم يعلمون أن منتجاتهم جزء من معركة قضائية لا رأي لهم فيها. وفي العيون، يواصل الصيادون نشاطهم بينما يخشون أن يتحول رزقهم إلى ورقة تفاوضية. أما في مخيمات تندوف، حيث يعيش أكثر من 170 ألف لاجئ منذ عقود، فإن الأخبار القادمة من بروكسل تزيد الشعور بالتجاهل. “لسنا مجرد أرقام في عقود تجارية”، يقول شاب صحراوي لوكالة الأنباء الإسبانية EFE، “نحن شعب يريد أن يقرر مصيره بحرية”.

بينما تحاول المفوضية كسب الوقت عبر حلول رمادية، يتزايد الضغط من منظمات حقوقية وأممية على الاتحاد الأوروبي للالتزام بالقانون الدولي. تقارير العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تؤكد أن استمرار استغلال موارد الصحراء دون موافقة سكانها يقوّض مبادئ الاتحاد الأوروبي نفسه، ويضعف خطابه حين يدافع عن أوكرانيا أو فلسطين.

يقف الاتحاد الأوروبي أمام اختبار وجودي، إما أن يحترم حكم قضائه الأعلى ويشرك الصحراويين في تقرير مستقبل أرضهم ومواردهم، أو أن يستمر في سياسة “التجميل” التي قد تنكشف قريبًا أمام المحاكم وتفضح ازدواجية معاييره. وبين القانون والمصالح، يظل صوت الشعب الصحراوي المطالب بتقرير المصير هو الصوت الذي يحاول كثيرون إسكاته، لكنه يظل حاضرًا، يذكّر أوروبا والعالم بأن النزاع في الصحراء ليس فقط قضية تجارة، بل قضية شعب لم ينل بعد حقه الأساسي في الحرية والاختيار.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …