الاستعمار… تلميذ غبي لا يستفيد من دروس التاريخ
ترك ثوار فيتنام لنا مقولة خالدة تقول: «الاستعمار تلميذ غبي لا يستفيد من دروس التاريخ». واليوم، وبعد عقود طويلة من تلك المقولة، تؤكد واشنطن من جديد صدقها بتصرفاتها وصراخها ضد الصين، عقب قرار بكين الأخير بمنع تصدير المعادن النفيسة الخاصة بالصناعات العسكرية لأي دولة في الخارج، ابتداءً من الأول من نوفمبر المقبل. ولم تكتفِ الصين بذلك، بل أعلنت أيضًا أنها ستمنع تصدير أي منتوج إلى الولايات المتحدة يتضمن في صناعته جزءًا من تلك المعادن التي مصدرها الصين، كما ستحتفظ لنفسها بالحق في الاعتراض على تصدير أي منتوج دولي استُخدمت فيه مواد صينية، تمامًا كما تفعل القوى الاستعمارية منذ عقود.
ما تقوم به الصين اليوم ليس عدوانًا، بل ردٌّ بالمثل. فالولايات المتحدة هي من بدأت الحرب الاقتصادية عندما فرضت عقوبات قاسية على شركة “هواوي”، ومنعتها من دخول الأسواق العالمية في محاولة لإقصائها لسنوات. غير أن “هواوي” عادت بقوة معتمدة على البحث والتطوير والاستثمار الذاتي حتى استعادت مكانتها العالمية من جديد. ولم تكتفِ واشنطن بذلك، بل منعت أيضًا شركة “أنفيديا” من بيع الرقائق الإلكترونية للصين، محاولةً إبطاء تقدمها التكنولوجي لعقدٍ كامل. لكن الصين اختارت الصمت والعمل بصبر وهدوء حتى فاجأت العالم الغربي بإنجازاتها وسحبت البساط من تحت أقدامه دون ضجيج.
على الصعيد العسكري، قطعت الصين خطوات هائلة في مجالات كانت متأخرة فيها مثل البحرية والطيران والأسلحة المتطورة، وعلى رأسها الصواريخ الفرط صوتية العابرة للقارات. وقد أظهرت بكين أفضل ما لديها في العرض العسكري الأخير حين قال الرئيس الصيني شي جين بينغ عبارته الشهيرة: «أمام العالم خياران لا ثالث لهما: إما السلام أو الحرب»، في رسالة واضحة بأن الصين جاهزة لكليهما. واليوم، بينما تشرع الصين في تصنيع طائرات الجيل السادس، ما تزال الولايات المتحدة تعاني من سلسلة أعطال في طائرتها الشهيرة F-35 التي لم تدخل حربًا واحدة بعد، لكنها غارقة في مشاكل تقنية لا تنتهي. وآخر تلك الفضائح ما حدث مع بلجيكا التي استلمت ثلاث طائرات من أصل أربع فقط، بعدما تعطلت الرابعة في منتصف الطريق فوق جزر الأزور واضطرت للبقاء هناك خوفًا من سقوطها، رغم أنها جديدة ومن أحدث النسخ.
الآن، وبعد أن بدأت بكين في فرض معادلتها الجديدة، علت أصوات واشنطن تتهم الصين بتدمير الاقتصاد العالمي. لكن من الذي رفض العولمة أولًا؟ ومن الذي فرض الرسوم الجمركية على الجميع وأهان حلفاءه قبل خصومه؟ لقد حان الوقت لتدرك أمريكا أنها ليست وحدها على هذا الكوكب، وأن هناك قوى أخرى صاعدة لها كلمتها ومصالحها وشعوبها التي ترفض الخضوع للهيمنة الغربية.
قرار الصين بمنع تصدير المعادن النادرة هو ضربة معلم بكل المقاييس، لأن الولايات المتحدة متأخرة بأكثر من عشر سنوات في مجال إنتاج وتكرير هذه المعادن، بينما تسيطر الصين على نحو 95% من السوق العالمي للتكرير، وقد منعت حتى نقل تقنيات التكرير إلى الخارج. هذا القرار سيحدث زلزالًا في الصناعات العسكرية والإلكترونية الأمريكية، بل وحتى في صناعة السيارات. واللوم لا يقع على بكين، بل على واشنطن نفسها التي اختارت طريق المواجهة الاقتصادية، وها هي اليوم تتذوق من نفس الكأس التي أذاقتها للصين لسنوات طويلة.
لقد صبرت الصين طويلًا، وتحمّلت الإهانات والتصريحات العدائية دون رد، لكنها اليوم ترد بهدوء وبقوة، وبطريقة تفهمها واشنطن جيدًا: الرد بالمثل، ولكن بأسلوب حضاري وفعّال.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القصة الحقيقية لمفجّر ثورة المهاجرين الجزائريين في باريس: هكذا صنع العقيد عمر بوداود أحداث 17 أكتوبر؟
تحتفل الجزائر سنويًا بذكرى أحداث 17 أكتوبر التي ارتكبت فيها السلطات الاستعمارية مجزرة ضد ا…