‫الرئيسية‬ الأولى التجارة الرابحة الخاسرة مع أوروبا…!
الأولى - الافتتاحية - 30 مايو، 2025

التجارة الرابحة الخاسرة مع أوروبا…!

التجارة الرابحة الخاسرة مع أوروبا...!
انطلقت في عام 2024 موجة غير مسبوقة من طلبات التأشيرة التي قدّمها المواطنون الجزائريون نحو دول منطقة شنغن، وفي مقدّمتها فرنسا، التي تحوّلت بفعل ممارساتها الإدارية إلى مركز بيروقراطي يعيد إنتاج التمييز والانتقائية. لم يكن هدف الجزائريين الهجرة السرّية، بل طلب بسيط لممارسة حق إنساني مكفول دوليًا، حرية التنقّل.. غير أن الرد جاء قاسيًا، مُجسّدًا في أرقام تفضح عمق الهوة بين الخطاب الحقوقي الأوروبي والممارسات الفعلية على الأرض.

فمن أصل 544.634 طلب تأشيرة قدّمها الجزائريون في 2024، رُفض 185.101 طلبًا، بنسبة تقارب 34%، أي ما يعادل 15.7 مليون يورو خُسرت من جيوب المواطنين دون مقابل. وحدها فرنسا، التي استقبلت 352.295 طلبًا، رفضت 118.697 منها، محققة بذلك ما يزيد عن 10 ملايين يورو من الأرباح الصامتة، مقابل لا شيء. إنها تجارة التأشيرات، تلك التي تُدار باسم القانون، وتُخفي خلف جدران مراكز الخدمات الخاصة (مثل TLScontact وVFS) جرحًا نفسيًا وماديًا يزداد اتساعًا.

وفي الوقت الذي تتباهى فيه فرنسا بتقاليدها الجمهورية، وتتصدر مواثيق حقوق الإنسان العالمية، يُداس في مكاتبها القنصلية أحد أبسط هذه الحقوق، حرية التنقل، كما تنص عليه المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. يُعامل الجزائري وكأنه “مشروع تهديد”، تُثقل كاهله الرسوم، ويُطالَب بوثائق تفصيلية، ثم يُمنح الرفض دون تعليل أو طعن فعّال.

لقد انكشف هذا النظام التأشيري على حقيقته، جهاز بيروقراطي قمعي، يفرز طالبي الفيزا وفقًا لاعتبارات سياسية أكثر منها قانونية. ففرنسا، الدولة المستعمِرة السابقة، لم تتخلّص بعد من منطق التفوق الأخلاقي الذي تتعامل به مع مواطني مستعمراتها السابقة، وعلى رأسهم الجزائريين.

وفي ظل هذه السياسة، لم يعد الحديث عن “الشراكة الاستثنائية” بين الجزائر وفرنسا إلا مزحة ثقيلة. أي شراكة تلك التي تدرُّ الملايين على حساب البسطاء؟ كيف يُعقل أن يتحوّل طلب لزيارة عائلة، أو علاج، أو حضور مؤتمر، إلى امتحان قاسٍ للكرامة الإنسانية؟

بات واضحًا أن حرية التنقل لم تعد أولوية في الأجندة الأوروبية، بل تُستخدم كأداة ضغط، تُفتح وتُغلق وفق تقلبات العلاقات السياسية. ومع كل رفض، يخسر الجزائري ماله، وصبره، وثقته في الشراكة المزعومة، بينما تربح باريس المزيد من العائدات على حساب كرامة شعب بأكمله.

في هذا السياق، من المشروع التساؤل، إلى متى ستستمر هذه السياسات المجحفة؟ وأين هي الضمانات الدولية التي يفترض أن تصون الحقوق الأساسية لكل إنسان، بغض النظر عن جنسيته؟ وهل يجوز أن تبقى حرية التنقل امتيازًا أوروبيًا، يُمنع عن “الآخر” تحت عناوين أمنية واهية؟

ما حدث في 2024 ليس مجرّد خلل في نظام التأشيرات، بل دليل صارخ على أزمة أخلاقية وسياسية يعيشها الغرب، حين تصبح الحقوق مجرد شعارات، وتتحول الحدود إلى أدوات ابتزاز ناعم، تمارسه دول كفرنسا بكل أريحية. وفي النهاية، يبقى الجزائري بين سندان الحلم المشروع بالتحرّك، ومطرقة قنصليات لا تعرف من القانون إلا ثمن الطلبات، 90 يورو للرفض.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…