التحالف الصيني الروسي يتجاوز محاولات العزل الأمريكية
تراجع ترامب عن المهلة التي منحها لروسيا، من خمسين يومًا إلى أسبوعين فقط، من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا، يكشف في جوهره فشلًا سياسيًا واضحًا للولايات المتحدة في مسعاها لعزل موسكو عن بكين، وفكّ التحالف الاستراتيجي بين القوتين. ما حدث لا يعكس فقط تقلبًا في المواقف، بل يعبّر عن إدراك متأخر من ترامب لصعوبة المهمة، إذ اتضح له أن التحالف الروسي-الصيني أكثر تماسكًا من أن تهزه ألاعيب واشنطن وحلفائها الغربيين.
الولايات المتحدة، التي تواصل تطبيق استراتيجية “المحاصرة” التي صاغها المحافظون الجدد بقيادة وولفوفيتز، لم تغيّر نهجها حتى في عهد ترامب. فبداية رئاسته اتسمت بمحاولة مغازلة روسيا لإعادة النظر في خياراتها وتحالفاتها، لكن تلك المحاولة سقطت مبكرًا، وفشلها كان مدويًا، مما يفسر توتر ترامب وتصعيده الكلامي تجاه موسكو، التي لم تُعر تهديداته أي اهتمام.
روسيا تبنّت موقفًا راديكاليًا تجاه الغرب، كردّ فعل على أكثر من 23 ألف عقوبة فُرضت عليها، وعلى دور الغرب المباشر في إشعال الحرب الروسية-الأوكرانية، ودعمه المادي والعسكري اللامحدود لكييف، إلى جانب التحريض العلني والمتواصل ضد موسكو. كما كشفت التسريبات الأخيرة نوايا ترامب، حين سأل زيلينسكي بشكل صريح عمّا إذا كان قادرًا على ضرب موسكو.
السلام الذي تحدث عنه ترامب ليس سوى وهم، لا ملامح له، ولا يقدّم أي ضمانات لروسيا. هذه الأخيرة تضم الآن مقاطعات أوكرانية كانت تاريخيًا جزءًا من روسيا، وتُعرف بـ”روسيا الجديدة” في عهد القياصرة. الولايات المتحدة لم تكن قادرة على الضغط على زيلينسكي للقبول بالتفاوض مع الروس أو التفاهم معهم، رغم أن موسكو كانت قد انسحبت من محيط كييف في بداية الحرب مقابل اتفاق سلام. لكن زيارة رئيس الوزراء البريطاني حينها، بوريس جونسون، كانت كفيلة بإجهاض الاتفاق؛ حيث طلب من زيلينسكي رفض السلام والمضي في خيار المواجهة الشاملة لاستعادة الأراضي، وحتى شبه جزيرة القرم، مستندًا إلى دعم غربي ضخم في كل الجبهات: عسكريًا، ماليًا، إعلاميًا.
ما نشرته الصحافة البريطانية عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تلك الفترة سيظل وصمة عار في تاريخ الإعلام الغربي، الذي فقد ما تبقى له من مصداقية أمام الرأي العام الأوروبي والغربي عمومًا.
الغرب لا يزال يتعامل مع الروس وكأنهم سذج يسهل التلاعب بهم، لكنه سيرتكب خطأ تاريخيًا فادحًا سيدفع ثمنه غاليًا. هذا ما يقوله عقلاء الغرب: إن النظر إلى روسيا بعيون مليئة بالوهم وسوء التقدير يُعدّ مقامرة مدمرة. ورغم التحذيرات المتكررة، لا يبدو أنها وصلت إلى أصحاب القرار في العواصم الغربية بعد.
أما الحرب بين إيران وإسرائيل، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير. لقد كشفت لروسيا والصين الوجه الحقيقي للغرب، ورغبة أمريكا في تفكيك إيران والسيطرة على الخليج. لكن فشل إسرائيل وأمريكا في تلك المواجهة أعطى فرصة استراتيجية لكل من الصين وروسيا للانتقال من التحالف الدفاعي إلى خيار المواجهة المفتوحة، بعدما تأكدا أن الهدف الحقيقي للغرب هو تفكيكهما الواحدة تلو الأخرى، بعد فصلهما.
لكن الأحداث تسير بعكس ما تشتهي سفن “الاستعمار القديم”. الصين وروسيا الآن تدعمان إيران في إعادة بناء نظامها الدفاعي الجوي، وتستخدم طهران الأقمار الصناعية الصينية لتوجيه صواريخها. وقد أطلقت مؤخرًا قمرًا صناعيًا جديدًا، وتتهيأ لمواجهة مباشرة محتملة مع إسرائيل، بمساندة صينية مكشوفة.
روسيا بدورها كثفت ضرباتها على الجبهة الأوكرانية، ونقلت صواريخ “أوروشنيك” النووية إلى بيلاروسيا، تحضيرًا لأي مغامرة عسكرية غربية محتملة، أو اندلاع صدام شامل.
الصين لا تخفي موقفها: هي تدعم روسيا ولن تسمح لها بالخسارة في أوكرانيا. أما كوريا الشمالية، فهي في حالة طوارئ قصوى، وستتدخل فورًا إذا تعرضت موسكو لأي أذى. اقتصاديًا، الرد الصيني على الرسوم الجمركية الأمريكية كان بمثابة ضربة موجعة: خسائر فادحة للاقتصاد الأمريكي، وقف تصدير الأتربة النادرة والتيتانيوم الضروري لصناعة الطائرات الحربية.
هذا الواقع المتفجر لا يُبقي على الطاولة سوى خيارين: إما الذهاب نحو حرب عالمية ثالثة، أو نحو “يالطا جديدة” تُعاد فيها صياغة العلاقات الدولية على أسس التعددية القطبية. ولا يبدو أن هناك خيارًا ثالثًا.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…