الافتتاحية - 28 أكتوبر، 2024

التسقيف هو الحل..

التسقيف هو الحل..
مع اقتراب شهر رمضان، تتسارع التحركات لضمان توفر اللحوم البيضاء في السوق الوطنية، وكأنّ أزمة التموين مسألة موسمية تظهر فقط عند ازدياد الطلب. لكن، أليس من مسؤوليات وزارة الفلاحة والتنمية الريفية توفير هذا المنتوج الأساسي بأسعار معقولة على مدار السنة؟ وهل هذه الإجراءات الموسمية هي الحل الحقيقي لضبط الأسواق، أم أنها تعكس قصورًا في استراتيجيات وزارة الفلاحة في إدارة القطاع الفلاحي بشكل مستدام؟

لقد أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مرارًا على أهمية تسقيف الأسعار كوسيلة لضبط الأسواق، إذ طلب من الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الارتفاع غير المعقول للأسعار. ورغم أن وزارة التجارة قد أبدت استعدادها لتطبيق هذا التوجيه، فإن ما نراه على أرض الواقع لا يتعدى مبادرات مرحلية لا تكفي لتلبية احتياجات المواطنين بشكل فعّال.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا لا تتخذ وزارة الفلاحة خطوات جادة لتطبيق تسقيف أسعار المنتجات الأساسية، وبالخصوص اللحوم البيضاء التي تعد من المواد الغذائية الضرورية للمواطنين؟ إذا كانت الوزارة تتدخل في الإنتاج من خلال الدعم المالي والتقني في المجال الفلاحي، أليس من واجبها أيضًا أن تتدخل في تسعير المنتج النهائي لضمان بيعه بسعر يناسب القدرة الشرائية للمستهلكين؟

إن الاعتماد على حلول مؤقتة كلما اقترب شهر رمضان يعكس عدم وجود سياسة واضحة تضمن استقرار التموين على المدى الطويل. فالحاجة إلى آلية تسقيف الأسعار ليست موسمية، بل هي ضرورة مُلحّة يجب أن تُفعّل باستمرار لضمان حماية السوق من المضاربات وضمان استدامة القطاع الزراعي. ومن هنا، يكمن دور وزارة الفلاحة في دعم المنتجين وحمايتهم، لكن دون أن نغفل عن واجبها في حماية المستهلك أيضًا من الأسعار المتقلبة وغير المبررة.

في هذا الإطار، يجب على وزارة الفلاحة أن تتعاون بفعالية أكبر مع وزارة التجارة لتحديد أسعار مرجعية واضحة، يكون فيها هامش الربح مناسبًا للمنتجين والتجار دون إرهاق للمستهلك. وبما أن الدولة تدعم بشكل كبير قطاع تربية الدواجن، فإن هناك مبررًا قويًا لإلزامية تحديد السعر المرجعي، بحيث يمنع أي طرف في سلسلة التوريد من تجاوز الحدود المعقولة للأسعار.

لقد حان الوقت لإنهاء “الشعبوية” في معالجة الأزمات الغذائية، والانتقال إلى استراتيجيات حقيقية تعالج الأسباب الجذرية للمشكلات. هذا النهج “البريكولاجي”، المعتمد على الترقيعات، لن يصمد أمام احتياجات المواطنين المتزايدة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية. إذا كانت الحكومة، بمختلف هيئاتها، تسعى حقًا لحماية القدرة الشرائية، فلابد أن يتم تطبيق سياسات أكثر جرأة وحزمًا في إدارة الأسعار، بحيث يشعر المواطن بالأمان الغذائي طوال السنة، وليس فقط عند اقتراب المواسم الدينية.

نتمنى أن يترجم توجيه رئيس الجمهورية إلى خطوات فعلية، وأن تعمل وزارة الفلاحة بجدية أكبر على تطبيق هذه التوجيهات، بما يكفل الاستقرار في السوق ويمنع أي محاولة للتلاعب بالأسعار على حساب المواطن البسيط.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …