‫الرئيسية‬ الأولى الجزائر تكشف المستور في قمة بغداد.. هل بقي شرف عربي؟
الأولى - الوطني - مقالات - 17 مايو، 2025

الجزائر تكشف المستور في قمة بغداد.. هل بقي شرف عربي؟

الجزائر تكشف المستور في قمة بغداد.. هل بقي شرف عربي؟
عُقدت قمة بغداد العربية وسط غياب لافت لعدد من القادة، من بينهم رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون. ومثلما جرت العادة، لم تحمل خطب المشاركين سوى عبارات بروتوكولية مكررة، لا تخرج عن شكر الدولة المضيفة، دون أي طرح جاد أو تحليل موضوعي لمجمل الأوضاع الإقليمية والدولية التي تمرّ بها المنطقة.

الغياب الجماعي لعدد من قادة دول الخليج يعكس تحوّلًا في مقارباتهم السياسية، ربما باتت ترى في العلاقات الدولية واقعًا مختلفًا عما يتم تداوله في البيانات الرسمية. وهذا يعكس بوضوح أزمة حقيقية في فعالية هذه القمم وجدواها.

في المقابل، برزت كلمة ممثل الجزائر، وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، باعتبارها المداخلة الوحيدة التي كسرت القوالب النمطية، وطرحت بجرأة مسألة إصلاح الجامعة العربية بشكل شامل، لتتحول من كيان جامد إلى مؤسسة قادرة على لعب دور فعّال في حلّ الأزمات التي تعصف بالمنطقة. لكن هذا الصوت العقلاني بدا معزولًا، كصرخة في وادٍ لا يسمعه أحد، في وقت يستمر فيه المحيط العربي في الدوران ضمن حلقة مفرغة من التكرار والتناقض.

إن استمرار الجزائر في هذا النهج الواضح والصريح يستدعي منها إعادة تقييم جدوى مشاركتها في مؤسسات لا تعكس تطلعات الشعوب ولا تُراعي مبادئ السيادة والكرامة الوطنية. ومن هذا المنطلق، قد يكون تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي داخل الجامعة العربية وفي القمم القادمة خيارًا منطقيًا لتقليص التكاليف والرسائل الرمزية. بل إن التجميد الكامل للعضوية بات، في نظري، خطوة ضرورية، في ظل الانحدار الذي بلغته هذه الجامعة، والتي أصبحت تضم دولًا مطبعة أمنيًا وسياسيًا مع الكيان الصهيوني، وتلقي خطبًا خاوية، هدفها الوحيد تزييف الوعي الشعبي العربي.

ومن سخرية الأقدار، أن يتزامن انعقاد القمة مع نشر الإعلام العبري لمعلومة خطيرة مفادها أن أحمد الجولاني، أحد قادة ما يُعرف بـ”هيئة تحرير الشام”، مُسجَّل رسميًا كعميل لدى المخابرات البريطانية. وإن صحّت هذه المعلومة، فإنها تهدم كل ما تم تداوله في القمة من أساسه، وتكشف عن تورط أجهزة غربية في إدارة التنظيمات المتطرفة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تطرقت التقارير ذاتها إلى عودة 400 عنصر من “داعش” إلى بريطانيا دون محاسبة، في دليل إضافي على الأدوار الخفية التي تلعبها بعض الاستخبارات في تأجيج الفوضى داخل العالم العربي.

ولا يمكن الحديث عن هذه الخلفيات دون الإشارة إلى الجذور العميقة، حيث تؤكد معطيات تاريخية أن جماعة الإخوان المسلمين — الأم التي انبثقت منها غالبية التنظيمات الإسلاموية — تأسست سنة 1929 بدعم بريطاني مباشر، وبشراكة مع حسن السعاتي، المعروف بحسن البنّا، الذي تشير بعض الدراسات إلى علاقته بالبناءين الأحرار، أي الحركة الماسونية.

والمفارقة المؤلمة أن اجتماعًا أمنيًا عربيًا قد عُقد مؤخرًا وتم الترويج له على أنه إنجاز مشترك، رغم أن أغلب أطرافه مطبعة أمنيًا مع الكيان الصهيوني! فكيف يمكن الحديث عن “توافق أمني” بين دول تقيم علاقات أمنية مع كيان يحتل أرضًا عربية ويقتل الفلسطينيين يوميًا؟ ضد من يكون هذا “التوافق”؟ إنها مهزلة تامة، وإهدار صارخ للموارد والهيبة.

الجزائر، ومنذ سنوات، لم تتردد في المطالبة بإصلاح شامل للجامعة العربية، وقد بدأت هذه الدعوات في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وكانت تلك المطالب بمثابة مؤشر مبكر على أن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ على المستوى العربي الجماعي. واليوم، نرى نتائج هذا الانحدار: تناقضات فاضحة بين الخطاب والممارسة، وخطب لا تغني ولا تسمن من جوع.

أي تكتل إقليمي لا يملك أهدافًا واضحة وآليات تنفيذية ملموسة هو تكتل محكوم عليه بالفشل. سقطت “عصبة الأمم” لأنها لم تستطع منع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ويجب أن تُحل الجامعة العربية لأنها لم تتمكن حتى من إيصال الماء والغذاء إلى أهل غزة المحاصَرة، فضلًا عن فشلها في وقف التهجير الممنهج، الذي يتم — ويا للأسف — بتواطؤ من بعض الدول الأعضاء التي تحضر القمم وتحاضر في “الشرف العربي”.

حل الجامعة العربية ليس نهاية، بل قد يكون بداية مشرّفة نحو البحث عن صيغ جديدة للتعاون، مبنية على مبادئ واقعية وإرادة حقيقية، كما تفعل شعوب ودول العالم الحرّ في مواجهة أزماتها.

شكرًا لأحمد عطاف، وزير خارجيتنا، الذي عبّر عن صوت الجزائر الحقيقي، وطرح موقفًا متماسكًا بلغة واضحة ونبرة وازنة تليق بتاريخ وهوية هذا الشعب.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…