‫الرئيسية‬ الأولى الجيش الجزائري بين عقيدة السيادة وذباب المخزن.. حين تكتب “هسبريس” بحبر تل أبيب!
الأولى - مقالات - 12 يونيو، 2025

الجيش الجزائري بين عقيدة السيادة وذباب المخزن.. حين تكتب “هسبريس” بحبر تل أبيب!

الجيش الجزائري بين عقيدة السيادة وذباب المخزن.. حين تكتب "هسبريس" بحبر تل أبيب!
الجيش الجزائري لم يكن يومًا مجرد مؤسسة نظامية، بل هو امتداد لثورة التحرير، وضمانة للسيادة الوطنية. ومع تصاعد الهجمات الإعلامية من الرباط، خاصة عبر صحيفة هسبريس، أصبح من الضروري كشف خلفيات هذه الحملات الممنهجة، التي تستهدف التشكيك في شرعية الجيش الجزائري وخيارات الجزائر الدفاعية.

ما قرأناه لم يكن تحليلًا موضوعيًا ولا تحقيقًا صحفيًا؛ بل كان بيانًا سياسويًا بامتياز، مكتوبًا بلغة موجهة، يتبنّى الرواية الرسمية للرباط، ويُهاجم مؤسسة الجيش الوطني الشعبي الجزائري، متهمًا إياها بـ”إرهاب الداخل” و”تخويف المواطن”، في مغالطة خطيرة تفتقد إلى الحد الأدنى من المهنية والنزاهة الصحفية. ولكن الرد هذه المرة لا يكون عبر الدفاع عن حق الجزائر في بناء جيشها؛ بل بفضح من يهاجمنا، ومن يقف خلفه، ومن يكتب بالأوامر المباشرة الآتية من الرباط أو من تل أبيب.

وُلد الجيش الوطني الشعبي من رحم ثورة نوفمبر المجيدة؛ لم يُخلق في حضن القصور، ولم يكن أداة لحماية نخبة أو حاشية، بل مؤسسة شعبية سيادية تؤمن بالتحرير، لا بالتمركز خلف الكراسي. وخلافًا لما تروّج له هسبريس، فإن الجزائر لا تبني جيشًا للهجوم أو التوسع؛ بل تُحصّن حدودها في منطقة إقليمية شديدة الاضطراب، وتستعد لكل السيناريوهات الممكنة في عالم تحكمه التحالفات المشبوهة، من انقلاب النيجر إلى تمدّد الجماعات الإرهابية في الساحل، ومرورًا بتغلغل النفوذ الصهيوني في جوارها المباشر.

والأخطر من ذلك، هو التواطؤ المكشوف الذي يجري على مقربة من الحدود الجزائرية. ففي تحقيق نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، كُشف النقاب عن اتفاق دفاعي رسمي وغير مسبوق بين المملكة المغربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، يشمل التعاون الاستخباراتي، التدريبات المشتركة، وبيع أنظمة متطورة للتجسس والمراقبة، على رأسها Skylock Dome وBarak MX.

وقد تم التوقيع على الاتفاق خلال زيارة وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس إلى الرباط، وتم الاعتراف به كأول اتفاقية دفاعية رسمية بين كيان الاحتلال ودولة عربية. الأخطر أن بنود الاتفاق تمنح إسرائيل موطئ قدم أمنيًا وعسكريًا دائمًا داخل التراب المغربي، ما يُحول المغرب إلى قاعدة أمامية لـ”الموساد” في شمال إفريقيا.

فهل بعد هذا يُعقل أن تهاجم هسبريس الجزائر لمجرد أنها تُعزّز جاهزيتها، في حين تسكت على احتلال السيادة الأمنية للمغرب؟ وهل من سلّم مفاتيح الأمن الداخلي والخارجي للعدو الصهيوني، يملك الحق في انتقاد دولة دفعت مليون ونصف مليون شهيد لتحيا حرة وسيدة قرارها؟

بعيدًا عن مضمون المقال، لا يمكن لأي قارئ نزيه أن يصدق أن هسبريس تمارس الإعلام المستقل. فالجريدة التي تأسست على أنقاض الصحافة الإلكترونية الحرة، تحولت منذ سنوات إلى لسان حال وزارة الداخلية المغربية. وتشير تقارير إعلامية موثوقة إلى أن المؤسسة تتلقى تمويلًا منتظمًا تحت غطاء “الدعم العمومي للصحافة”، لكنها في الواقع لا تنشر إلا ما يُوافق عليه في الديوان الملكي.

وقد ورد اسم الجريدة في تحقيق Forbidden Stories الشهير ضمن “مشروع بيغاسوس”، حيث كُشف تورط وسائل إعلام مغربية، بينها هسبريس، في حملات تشهير منسقة ضد معارضين وصحفيين، باستعمال بيانات تم جمعها عبر برنامج التجسس الإسرائيلي، الذي تم زرعه في هواتف عشرات النشطاء. فمن يمارس التشهير، ومن يحرّض على كل صوت معارض، ومن يروّج لتطبيع مع دولة تحتل أرضًا عربية، لا يمكن أن يُقدّم دروسًا في الحريات ولا في المهنية الصحفية.

مفارقة هسبريس لا تُطاق. فهي ترى في الإنفاق العسكري الجزائري “مُبالغًا فيه”، بينما تصف التسلّح المغربي بـ”التحديث الدفاعي”، رغم أن المغرب، وفق بيانات SIPRI لسنة 2024، أنفق ما يفوق 12 مليار دولار على التسلح، نصفها تقريبًا في صفقات مع شركات أمريكية وصهيونية. من بينها طائرات F-16 وأنظمة متقدمة للمراقبة، بعضها موجّه لمراقبة الشعب المغربي لا الأعداء الخارجيين. فمن يُحدث ترسانته، بينما يئن شعبه من الجفاف والفقر وغياب الحريات، لا يحق له أن يتهم دولة جارة ببناء قدراتها على أسس سيادية دفاعية. الجزائر لا تخشى من انتقاد، لكنها ترفض أن تُحاكم بمنطق الحقد والكيل بمكيالين.

حين تتحدث هسبريس عن الدبلوماسية الجزائرية، فإنها تتهمها بـ”فشل المبادئ”، متناسية أن الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تُقم يومًا أي علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ورفضت على مدى عقود استقباله أو التطبيع معه، بل منعت حتى دخول وفوده إلى أراضيها في المحافل الدولية. في المقابل، وقّعت الرباط سلسلة من الاتفاقيات مع “تل أبيب”، شملت السياحة، التجارة، الدفاع، التجسس، الأمن السيبراني، وحتى التعليم الديني، وفتحت مدارس تُدرّس فيها روايات “الهولوكوست” الصهيونية، في وقت يُمنع فيه تدريس القضية الفلسطينية في مناهجها الرسمية.

الجزائر لا تحتاج إلى تبرير خطابها ولا قراراتها. فهي دولة ذات سيادة، تدير شؤونها وفق عقيدة التحرير والاستقلال، لا وفق إملاءات السفارات أو الإغراءات الصهيونية. والجيش الوطني الشعبي ليس حزبًا سياسيًا ولا أداة قمع، بل صمّام أمان ودرع سيادي، بنته دماء الشهداء، ويُطوّره أبناء الشعب، لا ضباط الموساد. أما هسبريس، فعليها أن تنظر إلى حال بلدها، وأن تكتب عن القمع، والهجرة، والعزلة القارية، بدل اختلاق سيناريوهات رديئة حول الجزائر. لأن من لا يجرؤ على مواجهة الحقيقة في الداخل، لا يحق له أن يُعلّم غيره الوطنية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …