‫الرئيسية‬ الأولى “الحدث” في دفء الخطاب و”الرسالة” في برودة الواقع.. قراءة في رسالة الوزير
الأولى - الافتتاحية - الوطني - 5 يوليو، 2025

“الحدث” في دفء الخطاب و”الرسالة” في برودة الواقع.. قراءة في رسالة الوزير

"الحدث" في دفء الخطاب و"الرسالة" في برودة الواقع.. قراءة في رسالة الوزير
قدّم وزير الاتصال، السيد محمد مزيان، في مقاله المنشور بجريدة “الشعب” تحت عنوان “الحدث والرسالة”، رؤية شاملة لواقع الإعلام الوطني ودوره في مسار بناء الجزائر الجديدة، مستعرضًا محطات الدعم التي حظي بها هذا القطاع، ومبرزًا الالتزام السياسي الواضح من قبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تجاه تمكين الأسرة الإعلامية ومرافقتها في أداء رسالتها النبيلة.

المقال جاء في سياق زمني رمزي، تزامنًا مع الذكرى الـ63 لاسترجاع السيادة الوطنية؛ وهو توقيت يعكس حرص الدولة على تذكير الجميع بالعلاقة العضوية بين الإعلام والسيادة، وبأن الصحافة الجزائرية وُلدت من رحم النضال، لتكون صوت الوطن وقيمه.

لقد عبّر الوزير من خلال مقاله عن رؤية متماسكة، تستند إلى قناعة راسخة بدور الإعلام في الدفاع عن الهوية، وترسيخ الوحدة الوطنية، وحماية السيادة، لا سيما في ظل التحديات الجيوسياسية والإعلامية التي تشهدها الساحة الدولية. وأكد أن المشروع الإعلامي الوطني لا يزال يستمد روحه من رسالة نوفمبر، ويستكمل مسيرته ضمن مشروع الدولة الحديثة.

ومن المهم هنا تثمين هذا التوجه الإيجابي الذي يرعاه رئيس الجمهورية، والذي يُترجم، من جهة، في دعم مبدأ حرية الصحافة من خلال ما ورد في دستور 2020، ومن جهة أخرى، في مواكبة التحولات التشريعية والتنظيمية التي تهدف إلى تطوير القطاع وتأهيله لمواجهة التحديات الجديدة.

غير أن هذا التقدير لا يمنع من الإشارة، بروح من المسؤولية، إلى أن الإعلام الوطني ما يزال في حاجة إلى دعم عملي وميداني مستدام، يوازي الطموح الذي تحمله التصريحات والخطابات الرسمية. فبينما توجد الإرادة السياسية، ما تزال بعض التحديات الميدانية قائمة، مثل محدودية الوصول إلى المعلومة، والحاجة إلى تحسين الظروف الاجتماعية والمهنية للصحفيين، وتطوير التكوين المستمر، وتحديث البنية التكنولوجية.

إن بناء “جبهة إعلامية موحدة”، كما دعا الوزير، يتطلب أولًا وأساسًا بيئة مهنية داعمة، تقوم على الثقة بين المؤسسات والإعلاميين، وتحفّز روح المبادرة والإبداع، في ظل احترام أخلاقيات المهنة، وضمان حرية التعبير في إطار القانون.

وفي هذا السياق، فإن الدفاع عن صورة الجزائر، والرد على الحملات المغرضة، لا يُمكن أن ينجح إلا عبر خطاب إعلامي قوي، واقعي، شفاف، ومبني على المهنية، قادر على إقناع المواطن أولًا، والتأثير خارجيًا ثانيًا. فالقوة الناعمة لأي دولة تبدأ من إعلامها، ومن صورة مؤسساتها في أعين أبنائها.

كما أن التفاعل مع التحولات الرقمية، وتغيّر أنماط استهلاك الأخبار، يفرض على الإعلام الوطني التحول نحو نموذج أكثر حداثة، منفتح على الكفاءات الشابة، وعلى التكنولوجيا، وعلى آليات التمويل المبتكرة. وهو ما يستدعي بدوره مواكبة مؤسساتية ومرافقة ملموسة، من حيث التكوين، والدعم المالي، والتجهيز، والتشريعات المواكبة.

ولا يفوتنا في هذا السياق، تثمين الموقف الثابت للإعلام الوطني في الدفاع عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضيتان الفلسطينية والصحراوية، باعتباره امتدادًا للموقف الرسمي للدولة الجزائرية؛ لكن من المهم أيضًا أن يُترجم هذا الموقف المبدئي إلى التزام داخلي بقيم الحرية، والعدالة، والتعددية، لأن المصداقية تبدأ من الداخل وتنعكس خارجه.

يمثل مقال وزير الاتصال مساهمة سياسية وإعلامية قيّمة، تُبرز بوضوح أن الإعلام الوطني ليس تفصيلًا في مشروع الدولة، بل ركيزة أساسية في تثبيت الاستقرار، وترسيخ السيادة، ومرافقة التنمية. وهي رؤية تستحق أن تجد صداها في سياسات ملموسة، تُعيد الثقة إلى الجسم الإعلامي، وتُعزز مكانته، وتُهيّئ له كل الشروط التي تسمح له بأن يكون فاعلًا حقيقيًا في بناء الجزائر التي نحلم بها جميعًا، قوية، مزدهرة، متصالحة مع ذاتها، ومنفتحة على مستقبلها.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …