الحركى 2.0… معركة جديدة ضد الجزائر
كل ما تتعرّض له البلاد من حملات منظَّمة ومتواصلة بات يفوق حدود المتابعة العادية. فدوائر مختلفة، من عواصم معروفة بمواقفها التاريخية، إلى مجموعات رقمية ناشطة، تعمل على تضخيم أيّ خطأ ـ مهما كان بسيطًا أو عابرًا ـ لتحويله إلى مادة جاهزة لحملة تشنيع واسعة تُشحذ لها السكاكين في باريس ولندن والرباط، ناهيك عن تل أبيب. وفي الميدان الرقمي، تتجنّد جيوش ما يُعرف بـ”الحركى 2.0″ كتابةً وصوتًا وصورةً لبثّ سموم إعلامية ومعلومات مغلوطة وتهويل متعمد، بهدف خلق حالة من الشك والارتباك داخل الشارع الجزائري.
اندلاع 17 بؤرة حريق دفعة واحدة في قلب الشتاء، وفي أكثر من عشر ولايات، كان مثالًا صارخًا على هذا الاستغلال الممنهج، حرائق في الغابات، وحرائق موازية على وسائل التواصل الاجتماعي، تُستخدم كوقود لإذكاء الغضب وإطلاق دعوات غريبة تطالب برحيل الرئيس تبون، ودفع الناس إلى الشارع. لكن من يحرّض اليوم يتجاهل أن الحراك الشعبي الأصيل الذي أسقط منظومة بوتفليقة وأوقف مهزلة العهدة الخامسة لم يكن موجَّهًا لإسقاط الدولة، بل لاستعادة مسارها الطبيعي ومنع انحراف خطير كان يهدّد البلاد.
اليوم، تُضخّم حملات الخارج كلّ صغيرة وكبيرة إلى حدّ أن أصوات المعارضة الوطنية النزيهة أصبحت تتراجع عن تقديم النقد أو النصيحة، لا خوفًا من السلطة، بل خوفًا من أن تُستغل كلماتها من طرف موجة همجية لا تكنّ للجزائر سوى الحقد. هذه الأطراف تريد بلدًا ممزقًا، منهكًا، تُفترسه الذئاب والكلاب المتربّصة به منذ عقود، وتبحث عن أيّ شرارة لإشعال داخله فوضى لا تبقي ولا تذر.
أخطاء التسيير موجودة، وهي موجودة في كل الدول دون استثناء. وانتقادها واجب وطني لا نقاش فيه، شريطة أن يتمّ باحترام وهدوء ومسؤولية. لكن ما يحدث اليوم هو شيء آخر تمامًا، نقد لاذع بلا حدود، مزايدات تصل حدّ الهوس، وتحريض مباشر على الفوضى. والغريب أنّ معظم من يشعلون هذه النار يعيشون في عواصم أوروبية تعاني بدورها أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية خانقة، من لندن إلى باريس، ولا يُسمع لهم صوت حول مشاكلهم هنالك، ولا حول فضائح من يحكمونهم، ولا حتى حول الخطر العالمي الذي يهدّد الجميع.
الجزائر لا يدير شؤونها ملائكة، بل بشر، مواطنون مثلنا جميعًا، يحملون نقاط قوتهم ونواقص مجتمعهم، جهوية، شللية، عصبية، وضعف شخصي عند بعض المسؤولين قد يصل إلى مستوى طفوليّ في التعامل مع المرأة أو مع السلطة أو مع المسؤولية. وهي ظواهر تحتاج إلى إصلاح جذري، لا إلى استغلال أو تشويه أو تحويلها إلى مطية للفوضى. حتى التعبير الحادّ الذي يستخدمه البعض — مثل القول ساخرًا بضرورة “الخصي الإداري” لهؤلاء حتى يركّزوا على مهامهم — يعكس حالة الغضب الشعبي من الإهمال والأنانية، دون أن يكون دعوة فعلية لأي أذى، بل صيغة مبالغ فيها لتأكيد حجم الضرر الذي قد يلحق بالبلاد والعباد عندما تتغلب الأنا على الواجب.
المشكلة أن “الحركى 2.0” ينتقلون من أحداث بسيطة، تقع في كل المجتمعات، إلى صناعة خطاب فوضوي كامل، يستخدمون فيه نفس الأدوات، ونفس التضخيم، ونفس اللغة التي بُنيت لزرع الشك وإضعاف الثقة والدفع إلى التصادم. وهذا يفرض الحذر واليقظة، ومواجهة تلك الحملات المغرضة بمعرفة لا بردود فعل انفعالية. كما يستوجب وقف الدعم والتمويل لبعض الأصوات التي لا تمتلك تأثيرًا في الداخل، ولا رؤية، ولا حتى رأيًا ثابتًا، لكنها تُستعمل كواجهات في بروباغندا أوسع.
أخطاء التسيير تُصلح بالنقد الواعي والعمل المسؤول، أمّا الفوضى فلا تُنقذ وطنًا. حماية الجزائر اليوم لا تكون بالصمت ولا بالانفعال، بل بالتمييز بين النقد البنّاء والنقد الهدّام، وبين المعارضة الوطنية وترسانات التحريض الخارجي، وبين من يريد إصلاح الوطن ومن يريد إسقاطه فوق رؤوس أهله.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تصويت الجزائر في مجلس الأمن… منطق الدولة ينتصر
تعالت أصواتٌ عديدة تندّد بتصويت الجزائر لصالح المشروع الأميركي المتعلق بغزة، معتبرة أنّ ال…






